الأميركيون يمسكون بمرفأ بيروت الجديد

مدة القراءة 5 د


وسط انشغال اللبنانيين بالحديث عن التسوية الدولية حول لبنان ما بعد تفجير مرفأ بيروت، دوّت صرخة أميركية جديدة، على لسان مندوبة واشنطن لدى مجلس الأمن الدولي، كيلي كرافت، التي أكّدت أنه على الحكومة اللبنانية التأكّد من عدم حصول حزب الله على أسلحة جديدة، ومنع الحزب من الحصول على مزيد من الأسلحة. وهذه رسالة أميركية بالغة الوضوح، حول عدم تغيّر الشروط الأميركية حتى الساعة. تزامن موقف السفيرة الأميركية، مع موقف لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد تلقّيه اتصالاً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إذ قال: “من أجل تفادي وقوع مآسٍ مماثلة لانفجار مرفأ بيروت، يجب إبعاد المتفجرات والصواريخ التي قام حزب الله بتخزينها عن جميع المناطق المأهولة في لبنان”. وأوضح نتنياهو أنّه “لو اعتقد حزب الله أنّه يستطيع حلّ الأزمة اللبنانية من خلال خلق أزمة مع إسرائيل، فهذا سيكون بمثابة خطأ كبير”.

إقرأ أيضاً: لبنان: حلحلة فرنسية سريعة.. وتسوية أميركية تنتظر إيران

كلام نتنياهو، في المعطى السياسي، يطوف بظلاله حول مرفأ بيروت. خصوصاً بعد موقف آخر أطلقه وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس الذي أكّد أن “انفجار لبنان كان يمكن أن يكون أسوأ، لأنّ حزب الله يحتفظ بالمتفجرات في منازل المدنيين. فوجود منازل في لبنان فيها غرفة للضيوف وأخرى للصواريخ، ستجعل المجتمع اللبناني يدفع ثمناً باهظاً”. يلتقي نتنياهو وغانتس مع موقف السفيرة الأميركية والمساعي التي يقوم بها ماكرون لتجنّب أيّ تصعيد.

كلّ المعطيات تفيد بأنّ الأميركيين لم يتراجعوا عن أيٍّ من شروطهم، لكنهم منحوا دوراً لباريس في لملمة بعض الجراح وتقديم بعض المساعدات

كلّ هذه المواقف الدولية، والدخول الإسرائيلي على خطّ إحراج حزب الله أمام اللبنانيين بتخويفهم، ستؤكّد أن مسألة سلاح الحزب لا سيما صواريخه الدقيقة أصبحت مطروحة على طاولة البحث أكثر من أيّ وقت مضى بعد تفجير المرفأ. وكأنّ الحراك الدولي، إلى جانب مواقف نتنياهو والتباسات كثيرة حول طبيعة تفجير المرفأ، ربطاً بعمليات تعتيم واضحة وممنهجة لما حصل، تؤكّد أنّ سلاح الحزب أصبح جزءاً أساسياً من المفاوضات الدائرة. وهي ستستمرّ بضغط إسرائيلي لاستغلال الموقف الأميركي، خاصة مع ترقّب لبنان لزيارتين أميركيتين، الأولى هي زيارة ديفيد هيل، والثانية زيارة ديفيد شنكر آخر الشهر.

كلّ المعطيات تفيد بأنّ الأميركيين لم يتراجعوا عن أيٍّ من شروطهم، لكنهم منحوا دوراً لباريس في لملمة بعض الجراح وتقديم بعض المساعدات، للتخفيف من هول الكارثة التي وقعت، بالإضافة إلى لعب دور سياسي على خطّ تشكيل حكومة لبنانية جديدة. كلّ المعلومات تفيد بالرفض الأميركي السعودي لتشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها حزب الله. غير ذلك، لا مؤشرات على الخلاف حول الأسماء. إنّما على شكل الحكومة، وجهتها، ومهمتها. تمنح واشنطن دوراً لباريس، بما يتوافق مع المصلحة الأميركية، لكنها في النهاية لن تسلّم الملف اللبناني إلى أيّ جهة. معلومات مؤكدة تفيد بأنّ واشنطن تريد أن يكون الملف اللبناني برمّته خاضعاً لها، وهي توزّع مناطق النفوذ والمهامّ الدولية فيه وفق ما تقتضي مصلحتها، على غرار دور شركة “نوفاتيك” الروسية في التنقيب عن النفط بالإضافة إلى شركة “توتال” الفرنسية، أم على صعيد الدور الفرنسي في الضغط لتحقيق الإصلاحات وخصوصاً في قطاع الكهرباء، إذ تشير المعلومات إلى أنّ أحد شروط إيمانويل ماكرون هو تحقيق إصلاح جدّي في الكهرباء، على أن تكون شركات فرنسية هي التي تتسلّم هذا القطاع.

مصادر سياسية جدّية أكدت لـ”أساس” أنّ لبنان لن يسلّم بالخريطة الأميركية أو الشروط الاسرائيلية لترسيم الحدود البحرية في هذه المرحلة

الأهمّ أيضاً، هو الإصرار الأميركي، وهذا ما سيحمله معه ديفيد هيل، على أنّ واشنطن هي التي ستكون مشرفة على عمليات إعادة إعمار مرفأ بيروت، وهي أيضاً من يتولّى رعاية عقد مؤتمر دولي لإعادة إعماره، بحيث توزّع الحصص والمهام على كلّ دولة. لكن في النتيجة، أنّ الولايات المتحدة الأميركية، تريد لمرفأ بيروت الجديد أن يكون تحت نفوذها.

لم تتنازل واشنطن عن شروطها، تتمسّك بحكومة حيادية، فيما الفرنسيون يصرّون على حكومة مصغّرة قد تكون وحدة وطنية، مهمّتها الإشراف على عملية إعادة إعمار مرفأ بيروت، والتحضير لانتخابات نيابية مبكرة بعد سنة. قد تتهاون واشنطن في مسألة تشكيل الحكومة نسبياً، إذا ما قدّم حزب الله تنازلات جدّية في ملف ترسيم الحدود، وتعزيز صلاحيات قوات اليونيفيل. بحال عدم تنازل الحزب، فإنّ الضغوط الأميركية ستزداد خاصة بعد ما سرّبته بالأمس صحيفة “وول ستريت جورنال” حول استعداد الإدارة الأميركية لفرض عقوبات على حزب الله وحلفائه. 

مصادر سياسية جدّية أكدت لـ”أساس” أنّ لبنان لن يسلّم بالخريطة الأميركية أو الشروط الاسرائيلية لترسيم الحدود البحرية في هذه المرحلة. وأنّ الحديث حول جلوس لبنان إلى طاولة مناقشة الترسيم البحري دون شروط من الجانبين اللبناني والاسرائيلي يوحي بتفاؤل غير متوفر لدى الجانب الإيراني.

في الجعبة الأميركية أيضاً، ملفات كثيرة، تبدأ من الاستراتيجيا ربطاً بترسيم الحدود وتوسيع نطاق عمل اليونيفيل، والصواريخ الدقيقة الواجب تفكيكها، وصولاً إلى ملف الإصلاح المالي والاقتصادي، ومراقبة المطار والمرافئ، وضبط المعابر بين لبنان وسوريا. كلّ هذه المؤشرات تفيد بأنّ للبنان حكاية مفاوضات وتجاذبات طويلة مع الولايات المتحدة الأميركية، تبدأ بزيارة هيل، ولا تنتهي بتشكيل الحكومة وشكلها أو مضمون زيارة ديفيد شينكر فيما يلي. إنما ستكون مديدة وترتبط بمجموعة استحقاقات خارجية.  

 

مواضيع ذات صلة

أميركا مطمئنّة.. ونتنياهو “يسرق الوقت”

عاد الموفد الأميركي آموس هوكستين من زيارته إلى المنطقة، ووصل إلى العاصمة الاميركية أمس. وقبل أن يصل إلى واشنطن كان قد طمأن عين التينة إلى…

مبعوث ترامب إلى الشّرق الأوسط: معجب “بروحانية” نتنياهو..

تشبه الشّخصيّات التي رشّحها الرّئيس الأميركيّ المُنتخب دونالد ترامب شخصيّته الجدليّة. فهو كما فاجأ المراقبين يومَ فازَ في انتخابات 2016، وبفوزه الكبير في انتخابات 2022،…

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…