لسنا بحاجة، وقد بتنا على مقربة من نهاية السنة إلى المنجّمين ليقولوا لنا ما هي الأحداث المرتقبة في آخر ثلاثة أسابيع متبقية من عمر سنة 2020، التي سيسجّل التاريخ استثنائيتها بسبب جائحة كورونا. لكن أيضاً سيسجّل التاريخ استثنائيتها في منطقة الشرق الأوسط بسبب ملفّ الاغتيالات الذي حطّ التحذير منه رحاله في لبنان منذ أيّام، وسط تأكيدات لـ “أساس” من أوساط واسعة الاطلاع في قوى 8 آذار، على أنّ “هناك لائحة معروفة وأخرى غير معروفة مرشّحة للاغتيالات”.
ولا تزال التكهّنات مستمرّة حول ما نُسِبّ إلى المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم خلال الاجتماع الأخير للمجلس الأعلى للدفاع من تحذير من احتمال عودة الاغتيالات إلى الساحة اللبنانية، والقول إنّه “استند في تحذيره إلى تلقّيه معلومات من جهات خارجية” من دون أن يفصح عن هويتها.
أما بالنسبة لما سلف حول تأكيدات الأوساط ذات الصلة بقوى 8 آذار، فهي تتضمن وفق معطياتها لائحة تشمل على مستوى المنطقة، المرشد الإيراني علي خامنئي والرئيس السوري بشار الأسد، كما تتضمن على مستوى لبنان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.
هذا بما هو معلن من أسماء مستهدفة. أما فيما يتعلق بما هو غير معلن من أسماء على لائحة خطر الاغتيال، فقالت هذه الأوساط: إنّ “تحذير المدير العام للأمن العام جدّي، ويجب عدم التقليل من شأنه”.
إذاً، هناك نقطة انطلاق لمتابعة البحث لبنانياً، هو ورود إسم نصرالله ضمن لائحة المستهدفين بمحاولات الاغتيال، أي أنّ الحديث سينتقل إلى مخططات إسرائيل التي لم تكتم أنّها المسؤولة عن تنفيذ أطول لائحة اغتيالات في التاريخ الحديث بدءًا من نشأة الكيان عام 1949. وهذا ما يمكن الوقوف عنده في كتاب “أقتل أوّلاً”، وهو ترجمة غير حرفية لعنوانه الأصلي بالإنكليزية “Rise And Kill”، لمؤلفه رونين برغمان. وقد احتلّ الكتاب لفترة طويلة، منذ صدوره عام 2018، موقعاُ متقدّماُ ضمن الكتب الأكثر مبيعاُ على لائحة “نيويوك تايمز”. أهمية الكتاب تكمن في المعطيات التي نقلها من سجلات المخابرات الإسرائيلية، ما جعله موسوعة في هذا المضمار.
أما بالنسبة لما سلف حول تأكيدات الأوساط ذات الصلة بقوى 8 آذار، فهي تتضمن وفق معطياتها لائحة تشمل على مستوى المنطقة، المرشد الإيراني علي خامنئي والرئيس السوري بشار الأسد، كما تتضمن على مستوى لبنان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله
بعد صدور الكتاب، حاور دافيد هوروفيتس، في صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، المؤلف، وسأله: “أخبرني، في هذا الكتاب الواسع، ما هي أهم المواد التي تنشر للمرة الأولى؟ العديد من الحالات مألوفة، لكن هناك اختلافات، وعناصر لم أسمعها من قبل، وهناك قصص جديدة تماماً”. فأجاب بيرغمان: “كان الهيكل العام للعديد من العمليات الموصوفة في الكتاب قد نُشر في الماضي. خذ عملية فردان (عملية “ينبوع الشباب” عام 1973، حين هاجمت القوات الخاصّة التابعة للجيش الإسرائيلي وقتلت شخصيات من منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان) على سبيل المثال. إنّها القصة الأكثر تحليلاً في تاريخ الكوماندوز. إيهود باراك تنكّر على شكل امرأة سمراء الشعر، وأفيرام ليفين كامرأة شقراء”.
وسُئِلَ: “ماذا سيحدث مع الاتفاق النووي الإيراني وحزب الله؟”. فأجاب: “نحن في أفضل وضع أمني مررنا به حتى الآن. فقط، تذكّر ماذا كان هناك قبل غزو الولايات المتحدة للعراق. سيناريو الكابوس الذي كان لدى الجيش الإسرائيلي، هو أنّ الجيش السوري والجيش العراقي، اللذين أعتقد أنّهما يكوّنان معاً 54 فرقة، كانا سينطلقان نحو إسرائيل عبر الأردن وعبر الحدود مع سوريا. حسنا، هذان الجيشان لم يعودا موجودين”.
أما فيما يتعلّق بحزب الله، فيتساءل بيرغمان في كتابه: “هل صحيح أنّ قتل القادة يغيّر التاريخ؟”، ويجيب بنفسه على هذا السؤال قائلاً: “ليس دائماً في الاتجاه المتوقّع. لقد قتلنا (الأمين العام لحزب الله عباس) الموسوي، وحصلنا على حسن نصر الله، وعلى تغيير كامل في أولويات حزب الله، التي انتقلت إلى التركيز على إسرائيل”. ويستطرد قائلاً: “قتلنا الزعيم الروحي لحركة حماس الشيخ أحمد ياسين لنجد حماس تتحالف مع إيران”.
هل ما زال هذا التحليل الذي ورد في كتاب بيرغمان صالحاً؟ هو الذي يوحي بعدم جدوى اغتيال قائد “حزب الله”، لئلا تكون النتيجة مجيء من هو أكثر تطرّفاً في مواجهة إسرائيل؟
لا بدّ من التذكير بأنّ نصرالله هو الأمين العام لحزب الله منذ 28 عاماً، وتحديداً منذ اغتيال سلفه عباس الموسوي في 16 شباط 1992 في غارة جوية نفذتها إسرائيل إثر عودته من احتفال بذكرى اغتيال الشيخ راغب حرب في قرية جبشيت جنوب لبنان. لذلك، يمثّل مرور هذا الوقت الطويل نسبياً على بقاء نصرالله أميناً عاما للحزب، ما يؤيّد نسبياً تحليل الكاتب الإسرائيلي. لكن ما فات المؤلف قوله إنّ نصرالله، ومنذ حرب تموز عام 2006، اختار الخضوع لإجراءات أمنية مشدّدة. فلم يعد يظهر في المناسبات العامة إطلاقاً تحسّباً لأيّ محاولة إسرائيلية للنيل منه.
أما فيما يتعلّق بحزب الله، فيتساءل بيرغمان في كتابه: “هل صحيح أنّ قتل القادة يغيّر التاريخ؟”، ويجيب بنفسه على هذا السؤال قائلاً: “ليس دائماً في الاتجاه المتوقّع”
خلال الأيام الماضية، ومنذ اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده، لوحظ انقطاع الأمين العام لحزب الله حتّى عن الظهور عبر الشاشة، تاركاً الأمر في عهدة نائبه الشيخ نعيم قاسم. فهل تعني هذه التطوّرات أنّ حزب الله قد يكون معنياً بالقيام بدور ما في الردّ على اغتيال العالم الإيراني؟
“الغارديان” البريطانية توقّعت أن “يدفع الشعور بالضعف النظام الإيراني إلى شنّ سلسلة من العمليات الانتقامية على مصالح إسرائيلية وأميركية، أو رفع درجة تخصيب اليورانيوم، أو استعمال الميليشيا التابعة له في العراق لضرب قوات أميركية هناك، أو الدخول في مناوشات مع قوات أميركية في الخليج”. ورأت أنّ هذا “من أجل إظهار القوّة أمام العالم وإرسال إشارة إلى إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، قبل أيّ مفاوضات محتملة، مفادها أنّ إيران ليست ضعيفة. وهذه العمليات كلها تحمل مخاطر توسيع المواجهات المسلحة، خصوصاً إذا تمّت في أيام ترامب الأخيرة”.
ما أوردته الصحيفة البريطانية لا يشير إلى أنّ لبنان على خريطة الردّ الإيراني المحتمل. وهذا ما ورد على لسان الشيخ نعيم قاسم بعد اغتيال محسن فخري زاده: “الجواب على هذا الاغتيال المؤذي والمؤلم في آن معاً هو بيد المعنيين والمسؤولين في ايران”. لكن ماذا لو قرّرت إيران أنّ لحزب الله دور في الردّ على اغتيال الرجل الأوّل في برنامجها النووي؟
“الغارديان” البريطانية توقّعت أن يدفع الشعور بالضعف النظام الإيراني إلى شنّ سلسلة من العمليات الانتقامية على مصالح إسرائيلية وأميركية، أو رفع درجة تخصيب اليورانيوم، أو استعمال الميليشيا التابعة له في العراق لضرب قوات أميركية هناك
إن تحسّب دوائر حزب الله من خطر إسرائيلي محتمل قد يستهدف نصرالله صار من المؤكد وفق معطيات الأوساط المطلعة في قوى 8 آذار. وهذا التحسّب يعيد التركيز على مسألة جوهرية تتصل بجرائم الاغتيال التي كان للبنان النصيب الوافر منها على مدى عقود خلت. وهذه المسألة تقول إنّ لكل جريمة اغتيال مدبّرة هدفاً يبرّر جدواها. وهنا يمكن التوقف عند ما ورد في الكتاب الجديد للأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، الذي حمل عنوان “سنوات الجامعة العربية”. ففي أحد الفصول التي تنشرها حالياً صحيفة “الشرق الأوسط”، كتب موسى: “في تفسيري لدوافع اغتيال رفيق الحريري أقول: إنّه كان زعيماً قادراً على أداء الزعامة وممارسة القيادة، كما كان ذا هيبة خاصة، سواء في أوساط سنّة لبنان أو في الأوساط السياسية والاقتصادية والمجتمعية في لبنان كله. ثم إنّ وجود رجل في حجم الحريري على قمة الطائفة السنية كان يعني ثقلاً لا يمكن تجاهله في مواجهة ثقل حزب الله. إنّ إزاحة الحريري من الطريق كان لحسابات إقليمية بعيدة المدى، ويرتبط بها جزء مهم مما نشاهده في لبنان الآن”.
إقرأ أيضاً: لبنان 2020… لقاء الجهل والحقد
يمكن القول إنّ عام 2020، باستثنائيته لجهة الاغتيالات، قد تميّز بالضربات التي تلقّتها الجمهورية الإسلامية منذ بدايته، وتحديدا في 3 كانون الثاني، عندما تم اغتيال الجنرال الإيراني الواسع النفوذ قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس “في الحرس الثوري الإيراني، وقيادي كبير في “الحشد الشعبي” العراقي الموالي لطهران الحاج أبو مهدي المهندس.
في مقال رأي نشرته “الفايننشال تايمز” بقلم دايفيد غاردنر، بعنوان “مقتل العالم النووي الإيراني يعقّد خطة بايدن للشرق الأوسط”، خلص الكاتب إلى أنّه “يجب على الرئيس الجديد أن يجد طريقة للتعامل مع إرث سليماني من الميليشيات شبه العسكرية – المسلّحة بالصواريخ – التي أقامت ممرّاً شيعياً إيرانياً من بحر قزوين إلى البحر الأبيض المتوسط”.
هل ستنتهي أيام عام 2020 الأخيرة بحادث اغتيال مشهود، يأتي في سياق أيّام العام الأولى؟
هناك وفرة مؤشرات تدعو إلى التنبّه من هذا السيناريو.