توقّع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، أن تفقد إسرائيل دعم الرأي العامّ والحكومات في العديد من أجزاء “العالم الحرّ”، خلال الأيام والأسابيع المقبلة، محمِّلاً رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو مسؤولية “تعزيز قوّة حماس وإضعاف السلطة الفلسطينية”، مشيراً إلى أنّ الأمر سيستغرق بضعة أسابيع قبل أن يصل الغضب ضدّ الزعيم الإسرائيلي إلى نقطة تحوُّل، مؤكّداً تصميم إسرائيل على تدمير حماس.
كلام باراك جاء في حوار أجراه معه رئيس تحرير مجلّة “فورين بوليسي” رافي أغراوال، الذي وصف باراك بأنّه الشخص الوحيد الذي يعرف كيف تبدو الحرب في غزّة، وكيف يتمّ التدقيق في قرارات إسرائيل في زمن الحرب من قبل وسائل الإعلام.
أوضح باراك في حديثه أنّ “هدف إسرائيل من دخول غزّة هو الحدّ من القدرات العسكرية والحكومية لحماس في قطاع غزّة. ولا يمكن تحقيق ذلك من خلال الضربات الجوّية وحدها. وعلينا أن ننشر عدّة آلاف من الجنود على الأرض. لكن يتمّ تنفيذ العملية في غزّة في ظلّ أربعة قيود. الأول هو الرهائن. والثاني هو خطر انتشار الصراع إلى الحزب في لبنان، وربّما إلى بعض الخلايا النائمة لتنظيم القاعدة أو بعض المنظّمات الأخرى في الضفة الغربية، وحتى الميليشيات الشيعية في سوريا أو العراق، المدعومة من إيران. والعائق الثالث هو القانون الدولي الذي نلتزم به. ونعلم من التجربة أنّ دعمنا العالمي سيتآكل بسرعة كبيرة وأنّ شرعية العملية برمّتها ستكون موضع شكّ. وأخيراً، حتى لو حقّقنا هدفنا المتمثّل في إزالة البنية التحتية المادّية لحماس وقدراتها الحاكمة في قطاع غزّة، فإنّنا لا ننوي البقاء هناك لمدّة 10 أو 20 عاماً، فمن سيتولّى المسؤولية؟”.
إسرائيل تتعلّم من أخطاء أميركا
حول ما إذا كانت إسرائيل ستتعلّم من أخطاء أميركا بعد 11 أيلول، قال باراك: “ليس سرّاً أنّ الولايات المتحدة ارتكبت الكثير من الأخطاء بعد أحداث 11 أيلول. ونحن نحاول أن نتعلّم من ذلك على المستوى الاستراتيجي وعلى المستوى التكتيكي. لكنّ مذبحة السابع من تشرين الأول تمسّ الالتزام الأساسي للحكومة تجاه مواطنيها. قبل الحقّ في تكافؤ الفرص، هناك حقّ المواطن في الحصول على الحماية الجسدية في غرفة نومه من قبل الحكومة، وقد فشلنا في تحقيق ذلك. لقد كان هذا فشلاً للحكومة الإسرائيلية والجيش وأجهزة المخابرات على كلّ المستويات، لكن يجب أن نضمن عدم حدوث ذلك مرّة أخرى أبداً. ولا يمكن تحقيق ذلك من خلال المقابلات التلفزيونية أو من خلال الغوص في كتب التاريخ. يجب أن نتصرّف، وهذا هو الإجراء الذي اخترنا اتّخاذه في هذا الوقت”.
حول موقف الرئيس جو بايدن الداعم لإسرائيل، وصف باراك بايدن الذي يعرفه منذ 40 عاماً بأنّه أعظم صديق لإسرائيل في الجيل الأخير الذي جلس في البيت الأبيض
وعن خطط الجيش الإسرائيلي لتدمير قدرات حماس ومدى إمكانية نجاح ذلك، أوضح باراك: “المخطّط العامّ هو أنّ حماس ربّما تمتلك 10,000 صاروخ إضافي وربّما 200 ميل من الأنفاق تحت غزّة، وربّما لديها ما بين 25,000 إلى 30,000 مقاتل بين حماس والجهاد الإسلامي. يجب أن نرسل ما لا يقلّ على الأرجح عن 50 ألف جندي أو أكثر للتأكّد من أنّنا سننتصر. تمتلك إسرائيل قوات مسلّحة متفوّقة، مدرّبة بشكل أفضل، ومتحمّسة للغاية ومصمّمة على تدمير حماس. وسيتمّ ذلك خطوة بخطوة، ونأمل أن يتمّ مع الحدّ الأدنى من المدنيين الأبرياء تحت تهديد سلاح حماس. سيكلّفنا ذلك العمل والعرق والدموع والدم، لكنّنا سنصل إلى هناك. ولا يمكن لحماس أن تمثّل تهديداً وجودياً لدولة إسرائيل. وحتى لو تطوّر الأمر إلى صراع إقليمي واسع النطاق مع الحزب، الذي يمتلك صواريخ وقذائف أكثر بعشرة أضعاف، أو إذا كانت الضفة الغربية أو مرتفعات الجولان متورّطة، فإنّ إسرائيل تظلّ أقوى. وقد يستغرق المزيد من الوقت، والمزيد من الخسائر، والمزيد من الاحتكاك مع مؤيّدينا في جميع أنحاء العالم”.
وعمّا سيحدث لغزّة في اليوم التالي، أجاب: “أنا واثق من أنّ مجلس الوزراء الحربي لدينا والأميركيين وربّما بعض العواصم الأخرى في المنطقة على اتصال بشأن ما يجب القيام به. من الممكن الآن أن تكون هناك قوّة متعدّدة الجنسيات، إن لم تكن بقيادة مصر، فبواسطة قوّة دولية ما، تدعمها الجامعة العربية وقرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، للمساعدة في إعادة السلطة الفلسطينية إلى غزّة ومساعدتها ماليّاً على تطوير ما تحتاج إليه، من حيث الطاقة والماء، وجعلها مكاناً عادياً”.
الحرب ستستغرق عاماً أو أكثر
أضاف باراك: “بيني غانتس، أحد زعيمَي المعارضة ورئيس الأركان السابق، قال إنّ الأمر سيستغرق عدّة أشهر، وربّما عاماً أو أكثر. إذا امتدّ الصراع شمالاً، فسيستغرق الأمر عاماً أو سنوات. إنّها رحلة طويلة الأمد ، وقد فقد نتانياهو ثقة الرأي العام. وفي الأسابيع أو الشهرين المقبلين، ستكون هناك موجة غضب هائلة. حتى اليوم، لا يستطيع نتانياهو الذهاب بسهولة إلى المستشفى لمصافحة الجرحى أو مقابلة عائلات أولئك الذين ذبحوا في هذا الحدث”.
حول موقف الرئيس جو بايدن الداعم لإسرائيل، وصف باراك بايدن الذي يعرفه منذ 40 عاماً بأنّه “أعظم صديق لإسرائيل في الجيل الأخير الذي جلس في البيت الأبيض، وقد استجاب على الفور بكلّ ما في وسعه لردع الحزب وإرسال إشارة إلى إيران. نحن نقدّر بشدّة كلّ ما أرسله”.
عمّا سيحدث لغزّة في اليوم التالي، أجاب: “أنا واثق من أنّ مجلس الوزراء الحربي لدينا والأميركيين وربّما بعض العواصم الأخرى في المنطقة على اتصال بشأن ما يجب القيام به
أضاف: “نحن نعلم أنّه في غضون أسبوع أو أسبوعين سنفقد على الأرجح دعم الرأي العام في أجزاء كثيرة من العالم الحرّ، وفي غضون أسبوعين أو ثلاثة أسابيع أخرى قد نفقد دعم العديد من الحكومات في العالم الحرّ. أعتقد أنّ أميركا ستظلّ معنا، لكنّ بقاءها خلفنا سيكون أكثر تعقيداً. يركّز الأميركيون على ضرورة إيجاد ترتيب ما مع جيران غزّة، وهو أمر ليس بالسهل. لقد شاهدت الاحتجاجات التي اندلعت في كلّ من القاهرة وعمّان بعد الأخبار الكاذبة بأنّ إسرائيل قصفت أحد المستشفيات. إذا احتجنا نحن والأميركيون إلى قمع هذه الثورات القوية للمشاعر في فناء منزلهم الخلفي للأشهر القليلة المقبلة، فعليهم أن يعرفوا، على الأقلّ من خلال القنوات الخاصة، أنّ إسرائيل مستعدّة للنظر في أشياء لم تكن مستعدّة للنظر فيها في الماضي. على سبيل المثال، كيفية مناقشة العملية السياسية تجاه حلّ الدولتين، وإلّا فلن يتمكّنوا من التبرير لشعبهم لماذا يدعمون إسرائيل أو يقفون مكتوفي الأيدي. هذا موضوع حسّاس للغاية”.
إقرأ أيضاً: هاس للإسرائيليين: القضاء على حماس ليس ممكناً
قال إنّ “الأمر معقّد للغاية حتى داخل حكومتنا. أنا واثق من أنّ الرؤية الوحيدة القابلة للتطبيق لمستقبل إسرائيل هي حلّ الدولتين. لكنّ الحكومة في إسرائيل تفكّر بشكل مختلف. إنّها تريد أن تفعل كلّ ما في وسعها لمنع حلّ الدولتين. إنّه حزب متطرّف يميني عنصري تبشيري. ومن ناحية أخرى، لا تستطيع الولايات المتحدة التدخّل في العمليات السياسية في إسرائيل. يجب أن ينبثق الحلّ من الداخل. الأمر ليس سهلاً. علينا الآن أن نركّز على القتال. يعترف جميع قادة القوات المسلّحة والمخابرات بأنّهم مسؤولون عن أكبر فشل في أجهزتهم. لكنّهم يركّزون على القتال. لم يكن نتانياهو قادراً على الاعتراف بأنّه مسؤول بأيّ شكل عمّا حدث في البلاد، وهو ما أدّى إلى مزيد من فقدان الثقة بنتانياهو. لكنّه لا يؤثّر على الجنود على الأرض. إنّهم يقاتلون وهم متّحدون”.
لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا