إيران تقتل أميركيّين.. بحثاً عن مقعد على “طاولة غزّة”

مدة القراءة 9 د


وجّهت إيران، فجرَ الأحد، ضربة قاسية للقوّات الأميركيّة الموجودة في موقع Tower22 على الحدود الأردنيّة – السّوريّة. لم تكُن الضّربة “غير محسوبة” من أذرعها أو “عن طريق الخطأ”، كما حاولَ بعضُ المُقرّبين من إيران القول. تعمُّد إيران القتل دونه رسائل كثيرة.

أرادت إيران أن يصل صدى الضّربة إلى باريس، حيث الاجتماع الأميركيّ – القطريّ – المصريّ – الإسرائيلي حولَ غزّة. وإلى موسكو التي تتبايَن معها حول النفوذ في سوريا. وحتّى إلى الأردن، الذي شارك مدير استخباراته في اجتماعٍ قبل أيّام في الرّياض مع مسؤولين سعوديين ومصريين وفلسطينيين لبحث تمكين السّلطة الفلسطينيّة من حكم غزّة بعد الحرب.

جاءت الضربة على توقيت أميركيّ حسّاس. فالرئيس جو بايدن يواجه معركة صعبة مع منافسه دونالد ترامب. وزاد الطين بلّة إصرار روبرت كيندي المضيّ بخوض الانتخابات كمستقلّ خارج عباءة الحزب الديمقراطي. فجاءت النعوش الأميركية الثلاثة لتزيد من صعوبة طريق بايدن نحو تجديد الإقامة في البيت الأبيض.

3 قتلى في صفوف الجنود الأميركيين، وأكثر من 40 جريحاً، نُقِلَ 8 منهم للعلاج خارج الأردن بسبب خطورة حالتهم. وهذا رقم لم يعهده الأميركيون ولا القادة والساسة في العالم، خصوصاً بعد تصريح ترامب قبل أشهر بأنّ إيران أبلغته بالردّ المتواضع على قتل الجنرال قاسم سليماني. فجاءت هذه الضربة لتحاول إعادة ترميم بعض من صورة “الضعف” الإيراني أمام الضربات الأميركية والإسرائيلية في السنوات الأخيرة.

تُراهن طهران على أنّ إدارة بايدن تختلف عن سابقتها برئاسة دونالد ترامب بطريقة الرّدّ على الأفعال الإيرانيّة. فحاولت إرسال رسائلها بالنّار والدّم، على اعتبار أنّ سنة الانتخابات بدأت فعليّاً في الدّاخل الأميركيّ

قتلٌ مُتعمّد…

بحسب المعلومات التي حصلَ عليها “أساس” من مصدر أمنيّ أردنيّ، فإنّ الطائرة المُسيّرة التي استهدفَت نقطة التّمركُز الأميركيّة انطلَقت من الأراضي السّوريّة، وطالت نقطة منامة الجنود، وهي ليسَت مُسيّرة صغيرة كما جرَت العادة. إذ إنّ تلك المُستعملة في الضّربة كبيرة الحجم، وهو ما يعني أنّ نيّة التّسبّب بخسائر بشريّة واضحة وعن سابق إصرارٍ وتصميم.

في كلّ هجمات أذرعها، تجنّبت طهران إلى الحدّ الأقصى وقوع خسائر بشريّة في صفوف الأميركيين، حتّى يومَ ردّت على اغتيال قاسم سُليماني مطلع 2020، أخطَرَت الجانب الأميركيّ مُسبقاً بنيّتها ضرب قاعدتَيْ “الحرير” في إربيل، و”عين الأسد الجوّيّة” في الأنبار، كي لا تقع خسائر بشريّة في صفوف الأميركيين، بحسب ما كشف الرئيس في حينها، ترامب، قبل أشهر.

فلماذا تعمّدَت إيران إيقاع خسائر فادحة في صفوف الأميركيّين؟

للإجابة على هذا السّؤال، لا بُدّ من التّوقّف عند توقيت الاستهداف ومكانه. جاءَ الهجوم بعد ساعات قليلة من اجتماعٍ في باريس ضمّ مُدير الاستخبارات المركزيّة الأميركيّة (CIA) وليام بيرنز ورئيس الوزراء القطريّ الشّيخ محمّد بن عبد الرّحمن آل ثاني، ومدير الاستخبارات العامّة المصريّة اللواء عبّاس كامل ومدير الموساد الإسرائيلي ديفيد برنياع.

قبل الاجتماع بأيّام، زارَ مُنسّق الشّرق الأوسط في مجلس الأمن القوميّ الأميركي بريت ماكغورك القاهرة والدّوحة لتنسيق اجتماع باريس. كذلكَ هاتفَ الرّئيس الأميركيّ جو بايدن الرّئيس المصريّ عبد الفتّاح السّيسي، وأمير قطر الشّيخ تميم بن حمَد عشيّة الاجتماع.

كانَ محوَر لقاءات ماكغورك واتصال بايدن ضرورة التّوصل إلى اتفاق بشأن تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس. يصفُ مصدرٌ مسؤول في مكتب الأمن القوميّ الأميركيّ المفاوضات بالشّاقّة والمُعقّدة، لكنّ نيّة الجانبيْن التّوصّل إلى اتفاق هي بحدّ ذاتها دافعٌ “جيّد” لاستمرار المُفاوضات.

يقول مصدران مسؤولان في حركة “حماس” لـ”أساس” إنّ الحركة لا تزال مُتمسّكة بمطلب وقف العدوان كمدخل أساسيّ لتبادل الأسرى وفق معادلة “الكلّ مُقابل الكلّ”، مع انفتاحها على تبادل ما بقي لديها من المستوطنين (المدنيين) وفق معادلة 100 أسير مُقابل كلّ مستوطنٍ إسرائيليّ. أمّا العسكريين فلا طريقَ لدى الحركة سوى “الكلّ مقابل الكلّ”، مع انسحابِ إسرائيل بشكلٍ كاملٍ من المناطق التي توغّلت فيها.

بحسب المعلومات التي حصلَ عليها “أساس” من مصدر أمنيّ أردنيّ، فإنّ الطائرة المُسيّرة التي استهدفَت نقطة التّمركُز الأميركيّة انطلَقت من الأراضي السّوريّة، وطالت نقطة منامة الجنود، وهي ليسَت مُسيّرة صغيرة كما جرَت العادة

كذلك عُقِدَ قبل أيّام اجتماعٌ على المستوى الأمنيّ في العاصمة السّعوديّة الرّياض ضمّ مُستشار الأمن القومي مساعد العيبان، ومدير المخابرات الفلسطينيّة اللواء ماجد فرج، ومدير الاستخبارات العامّة المصريّة اللواء عبّاس كامل، ومدير الاستخبارات الأردنيّة اللواء أحمد حسني حاتوقاي.

بحسب المعلومات فإنّ الاجتماع بحثَ تمكين السّلطة الفلسطينيّة سياسيّاً وإداريّاً وأمنيّاً لتكونَ قادرة على إدارة قطاع غزّة في مرحلة ما بعد الحرب. إذ توافقَ المجتمعون على ضرورة عودة السّلطة وحدَها إلى القطاع، أي بمعادلة “لا إسرائيل، ولا حماس”.

كما اعتبَر المجتمعون أنّ بسط سيطرة السّلطة على غزّة يُسهّل جهود “السّلام في المنطقة”، وإنشاء دولةٍ فلسطينيّة كاملة الأوصاف، والأهمّ أنّها المدخل الرّئيس لأيّ مشاركة عربيّة فاعلة في إعادة الإعمار، إذ إنّ الدّول العربيّة المانحة واضحة في هذا المسار، بأن لا إعادة إعمار إن لم تُقدَّم ضمانات لعدم نشوبِ الحربِ مُجدّداً.

إيران خارج المفاوضات

كانت مروحة اللقاءات والاتصالات دافعاً لإيران للهجوم على الأميركيين في الأردن. يشير تعمُّد قتل الجنود الأميركيين إلى أنّ طهران تنظُر بقلقٍ إلى كلّ المُفاوضات الرّامية إلى سحبِ “بساط” القضيّة الفلسطينيّة منها. وهذا قد تعدّه طهران أخطر من اغتيال سليماني، إذ بنت كلّ سرديّتها على التدخّل بالدّول العربيّة تحت شعار “القدس والقضيّة الفلسطينيّة”. كما أنّ كلّ المفاوضات التي تجري لا تُشاركُ فيها طهران مُباشرةً، وذلكَ لسببيْن رئيسيَّيْن:

الأوّل: تُجمع الأطراف على أنّ إيران طرفٌ في الحرب، ومشاركتها في أيّ مفاوضات قد تعقّد المسار السّياسيّ لإنهاء العدوان على غزّة.

الثّاني والأهمّ: أنّ الدّول العربيّة تنظر إلى القضيّة الفلسطينيّة كقضيّة عربيّة أساسيّة، اختطفتها إيران، والتّوقيت اليوم مُناسبٌ لاستعادة الورقة إلى البيت العربيّ، ضمنَ ترتيباتٍ سياسيّة ترمي إلى حلّ دائم وعادل.

لا بُدّ من التوّقّف أيضاً عند استهداف القاعدة في الأراضي الأردنيّة الحدودية، فإنّها المرّة الأولى التي تعمد فصائل إيران إلى استهداف قاعدة أميركيّة خارج الأراضي العراقيّة أو السّوريّة، كما هو الحال منذ 2017.

يقول مصدران مسؤولان في حركة “حماس” لـ”أساس” إنّ الحركة لا تزال مُتمسّكة بمطلب وقف العدوان كمدخل أساسيّ لتبادل الأسرى وفق معادلة “الكلّ مُقابل الكلّ”، مع انفتاحها على تبادل ما بقي لديها من المستوطنين (المدنيين) وفق معادلة 100 أسير مُقابل كلّ مستوطنٍ إسرائيليّ

كما أنّ منطقة الحدود بين سوريا والأردن تشهدُ توتّرات عِمادها إصرار الفصائل المدعومة من إيران على محاولة تهريب السّلاح والمُخدّرات إلى الأردن عبر المنطقة نفسها. وهذا ما دفع عَمّان لاتّخاذ إجراءات عسكريّة أكثر من مرّة، والإغارة على أهدافٍ في الجنوب السّوريّ، هذا عدا عن الاشتباكات شبه اليوميّة التي تشهدها المنطقة بين قوّات الأمن الأردنيّة والمُهرّبين من الفصائل.

تُحاول طهران منذ نشوب الحرب في غزّة أن تجَعل من الأردن ساحةً مفتوحة. ومردّ هذا الاستنتاج إلى إحباط القوّات الأمنيّة محاولة تهريب صواريخ وعبوات ناسفة وأسلحة إلى الأراضي الأردنيّة.

لئن دلّت الأسلحة والعبوات على نيّة تجارة السّلاح مثلاً، إلّا أنّ وجود الصّواريخ يؤكّد أنّ قراراً إيرانيّاً قد اتُّخِذَ لاستهداف إسرائيل من الأراضي الأردنيّة عوضاً عن الجبهة السّوريّة التي تُمارس موسكو ضغطاً كبيراً لمنع استخدامها. يُضاف إلى ذلك حسابات إيران المُتعلّقة بحماية النّظام السّوريّ من أيّ ضربة إسرائيليّة واسعة في حال دخَلت جبهة الجولان بشكلٍ جدّيّ.

 

سوريا للرّدّ على موسكو

أمّا اختيار سوريا لاستهداف الموقع الأميركيّ فله دلالاته هو الآخر:

1- تُؤكّد إيران من الضّربة أنّ نفوذها ووجودها العسكريّ والأمنيّ ووجود فصائلها في سوريا وباقي المنطقة غير قابلة للنّقاش. ولهذا اختارت فصائل عراقيّة لتضرب من سوريا وليسَ من العراق.

2- تشدّد على أنّها تُمسِكُ بالأرض السّوريّة، على الرّغم من محاولات روسيا الحدّ من نفوذها داخل النّظام، خصوصاً بعد التغييرات الأمنيّة التي أجراها الرّئيس السّوريّ بشّار الأسد وكانَت في غالبيّتها تعتمد على استبدال مُقرّبين من طهران بآخرين مُقرّبين من موسكو.

3- تُؤكّد إصرارها على مُحاولة اقتحام المجال الحيويّ الأردنيّ لتوسيع نفوذها في المنطقة، ولو على حساب قتل الأميركيين هُناك.

لئن تنصّلت إيران على لسان المُتحدّث باسم خارجيّتها ناصر كنعاني ومندوبها في الأمم المُتحدة سعيد إيرواني من مسؤوليّتها، إلّا أنّه ليسَ خافياً أنّ أيّ ضربةٍ من فصائل طهران، خصوصاً للأميركيين، تنال موافقة فيلق القدس على الهدف والتوقيت ونوعيّة السّلاح المُستخدم.

إقرأ أيضاً: أوروبا ترتجف.. ترامب عائد

إيران تقترع في صندوق ترامب؟

تُراهن طهران على أنّ إدارة بايدن تختلف عن سابقتها برئاسة دونالد ترامب بطريقة الرّدّ على الأفعال الإيرانيّة. فحاولت إرسال رسائلها بالنّار والدّم، على اعتبار أنّ سنة الانتخابات بدأت فعليّاً في الدّاخل الأميركيّ. قد تكون إيران، كما كثيرون في المنطقة، تُفضّل عودة ترامب على بايدن.

في هذا السياق، لا يمكن القفز فوق ما قاله ترامب في 2020، إذ أكّد صراحةً أنّه سيُفاوض إيران بسرعة ويبرم اتفاقاً جديداً معها. وكان هذا بعد خلافه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أواخر عهده. إذ إنّ ترامب هو الرّئيس الأميركيّ الوحيد منذ 1990 الذي لم يُطلقُ حرباً. وقد تكون إيران بضربتها تقترعُ في صندوق الانتخابات الأميركيّة لعودة ترامب.

هذا ما استغلّه ترامب ليُصوّب على بايدن بالقول إنّ ضعفَ الرّئيس الأميركيّ تجاه إيران دفَع الأخيرة إلى قتل جنودٍ أميركيين، وأنّه لو كانَ رئيساً لما جرؤت إيران على ذلك. كذلك كَان السيناتور الجمهوريّ البارز ليندساي غراهام يدعو صراحةً إلى ضربِ إيران، وكذلك فعل السّيناتور جون كورنين الذي دعا بتغريدة إلى ضرب العاصمة الإيرانيّة.

لكنّه لا بُدّ من الإشارة إلى ما حصلَ في عهد الرّئيس الدّيمقراطيّ الأسبق ليندون جونسون الذي زادَ من تدخّل بلاده في حرب فيتنام وأوصلها إلى ذروتها يومَ كانَ يواجه ضائقة انتخابيّة وتذمّراً في صفوف الدّيمقراطيين قبل أن يُغادرَ منصبه إثر خسارته الانتخابات أمام الجمهوريّ ريتشارد نيكسون، ويعيش بقيّة أيّامه في مزرعته في تكساس.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…