لم تقف أزمة اللبنانيين في المصارف اللبنانيّة عند حدود الودائع المحتجزة منذ تشرين الأوّل الماضي، على خلفيّة الانهيار الحاصل في النظام المالي، والاقتصاد اللبناني ككلّ. فمنذ فترة، تتفاقم هذه الأزمة لتأخذ وجوهاً جديدة، منها تلك المتعلّقة بالبطاقات المصرفيّة على أنواعها.
أبرز تلك المشاكل بدأت عندما قرّرت المصارف اللبنانيّة على نحوٍ مفاجىء منذ فترة البدء بإلغاء السقوف الدوليّة وسقوف الإنترنت الخاصّة بالبطاقات المصرفيّة على أنواعها، حتّى بالنسبة إلى البطاقات الدائنة المرتبطة بالحسابات الدولاريّة الجارية. علماً أنّ السقف الدولي هو الذي يحدّد لعميل المصرف كميّة الدولارات المسموح باستعمالها خارج لبنان، فيما يحدّد سقف الإنترنت كميّة الدولارات المسموح استعمالها إلكترونيّاً. أما الزبائن المحظيون، الذين يتمتعون بمكانة خاصّة في مصارفهم، فتمكّنوا من الحفاظ على سقوف هزيلة وغير مفيدة تتراوح بين الخمس دولارات والعشرين دولاراً أميركياً شهرياً.
إقرأ أيضاً: سلامة يفتح باب إعادة رسملة المصارف: هل يعيد الثقة؟
ببساطة، لم يعد بإمكان عملاء المصارف استعمال هذه البطاقات لدفع ثمن حاجات يوميّة بديهيّة، كسداد رسوم بعض الامتحانات الأكاديميّة الدوليّة التي تشترط المؤسسات المنظّمة لها سداد رسومها عبر الإنترنت، أو الدفع عند التسوّق على صفحات الإنترنت، أو حتّى سداد رسوم اشتراكات النتفليكس مثلاً، وهي تتراوح بين 8 و12 دولاراً شهرياً فقط. كما بات مستحيلاً استعمال البطاقات المصرفيّة، حتّى الدائنة منها، عند حال السفر إلى الخارج. وفي حالات الضرورة القصوى، بات على عملاء المصارف نسيان دولاراتهم القديمة في الحسابات الجارية، والتوجّه نحو السوق الموازية لشراء الدولارات الطازجة وفقاً لسعر السوق السوداء المرتفع، وإيداع الدولارات “الفريش” في حساب جديد وإصدار بطاقة خاصّة بهذا الحساب، مع كلّ ما يعنيه هذا الأمر من دفع عمولات إضافيّة للحساب والبطاقة الجديدين، إنما بالدولارات الطازجة هذه المرّة.
باتت هذه البطاقات تراكم على أصحابها الفوائد الشهريّة بالدولار، دون أن يتمكّن أصحابها من توفير الدولارات المطلوبة لسداد قيمتها والتخلّص من دينهم بسبب ارتفاع سعر الصرف
في كلّ الحالات، نتج عن هذه التطوّرات أزمات لا تحصى. فالعديد من عملاء المصارف باتوا يروون حكايات الفواتير والاشتراكات التي ارتجعت ورُفضت على نحوٍ مفاجئ، ودون أن يعلموا، نتيجة إلغاء سقوف الإنترنت التي كانت ممنوحة لبطاقتهم سابقاً دون أن يجري إبلاغ العميل بذلك. أما المشكلة الأكبر، فهو عدم تسهيل فتح حسابات جديدة ومنفصلة للدولارات الطازجة في بعض المصارف، وهو ما عقّد من أزمة زبائن هذه المصارف بسبب عدم القدرة على الحصول على بطاقات جديدة بسقوف إنترنت أو سقوف دوليّة مرتفعة حتى لو أرادوا شراء الدولارات من السوق السوداء.
أما في حالة البطاقات الائتمانيّة المقوّمة بالدولار الأميركي، أي ما يعرف بالـ Credit Cards أو “بطاقات الدين”، فلجأت المصارف منذ أشهر إلى إلغاء سقوف الدين المرتبطة بهذه البطاقات كليّاً، أو اشتراط سداد قيمتها بالدولار الأميركي من الحسابات المصرفيّة في حال رغب العميل بالحفاظ عليها. علماً أنّ العميل سيخسر في الحالتين سقوف الإنترنت أو السقوف الدوليّة المرتبطة بالبطاقة. وفي حالات قليلة جداً، سمحت بعض المصارف لعملائها بتحويل البطاقات هذه إلى الليرة اللبنانيّة، مع اشتراط سداد القيمة المتوجّبة أساساً على العميل سابقاً بالدولار الأميركي.
يتحدّث لـ”أساس” عملاء من أصحاب بطاقات الـ Credit Cards المستعملة منذ ما قبل نشوء الأزمة المصرفيّة، ويروون مشاكلهم التي نشأت منذ أن قرّرت المصارف منذ فترة رفض قبول سداد كامل القيمة المدينة لبطاقاتهم بالليرة اللبنانيّة ووفقاً لسعر الصرف الرسمي، فيما اكتفت المصارف بالسماح لهم بدفع نسبة صغيرة جداً من الرصيد المدين بالليرة كل شهر. وبذلك، باتت هذه البطاقات تراكم على أصحابها الفوائد الشهريّة بالدولار، دون أن يتمكّن أصحابها من توفير الدولارات المطلوبة لسداد قيمتها والتخلّص من دينهم بسبب ارتفاع سعر الصرف. علماً أنّ بعض المصارف أعطت لعملائها خيار الحصول على حسم بنسبة 50% من القيمة المتوجّبة على صاحب البطاقة، مقابل سداد القيمة المتبقية بالدولارات الطازجة، لكنّ هذا العرض لم يحظَ بقبول الغالبية الساحقة من أصحاب البطاقات كون قيمة المبلغ المطلوب دفعه باتت مرتفعة قياساً بدخلهم حتى بعد الحسم، نتيجة الارتفاع القاسي بسعر صرف الدولار في السوق السوداء.
على المدى القصير، سيكون على اللبنانيين اللجوء إلى الدولارات الطازجة لتلبية الحاجات الملحّة التي يحتاجون لسداد ثمنها من خلال بطاقاتهم المصرفيّة
في حالة بطاقات الـ Credit Cards تحديداً، لجأ الكثير من العملاء إلى السماسرة والصرّافين لشراء الشيكات المصرفيّة، بأسعار تتراوح بين 2900 و3100 ليرة مقابل الدولار المصرفي الواحد، لسداد القيمة المدينة لبطاقاتهم وإلغائها. علماً أنّ هذه الصيغة باتت أقل كلفة على أصحاب هذه البطاقات من خيار شراء الدولارات النقديّة من السوق السوداء، حتّى لو عرض المصرف على العميل سداد نصف القيمة المدينة للبطاقة مقابل حسم النصف الآخر.
في كلّ الحالات، تعتبر مصادر مصرفيّة أنّ هذه التطوّرات المتعلّقة بسقوف البطاقات وإمكانيّة استخدامها على الإنترنت أو في الخارج، مرتبطة بشكل أساسي بتراجع حجم الموجودات الخارجيّة لدى المصارف اللبنانيّة، المتمثّلة بشكل أساسي بحسابات المصارف اللبنانيّة لدى المصارف المراسلة، والتي كان تُستخدم عادةً لسداد التزامات المصارف القصيرة الأجل في الخارج. وعلى المدى القصير، سيكون على اللبنانيين اللجوء إلى الدولارات الطازجة لتلبية الحاجات الملحّة التي يحتاجون لسداد ثمنها من خلال بطاقاتهم المصرفيّة. أما على المدى الأطول، فلا يوجد حلّ سوى إعادة تكوين موجودات المصارف اللبنانيّة في الخارج لإعادة قدرتها على توفير أبسط الخدمات المصرفيّة لعملائها.