إلى دياب “المتوتّر” في خطاب الوداع: دولة الرئيس… حكومتكَ سبب الحصار

مدة القراءة 5 د


من يقرأ “خطاب” رئيس الحكومة حسان دياب في بداية جلسة مجلس الوزراء أمس، قد يظنّ أنّها خطبة الوداع. خطاب غاضب ومتوتّر، أتى وسط حركة سياسية “مشبوهة” بالنسبة إليه.

فإضافة إلى الحركة التي شهدها دولته خلال الأسبوعين الماضيين، شهد أمس حركة لافتة. جبران باسيل في عين التينة للقاء الرئيس نبيه بري. إيلي فرزلي في بيت الوسط، حيث دعا إلى تشكيل حكومة جديدة. لم يطل الأمر حتى غرّد وئام وهاب داعياً دياب إلى الاستقالة “قبل أن يسقطوه في الشارع”. ثم حذف التغريدة. ولحق بهم الرئيس سعد الحريري بإعلان “شروط للعودة إلى رئاسة الحكومة”، مصوّباً من الزاوية السعودية: “كيف لحكومة أن تطالب الخليج بالمساعدات، وفيها فرقاء يصفّقون كلما سقط صاروخ حوثي في السعودية”.

وكان كلّ هذا استبق بتسريب أحاديث إلى جرائد ومواقع موقّعة باسم “قوى من الحاضنة السياسية للحكومة” و”مصادر نيابية من قوى مشاركة في الحكومة”، تعلن عن أن تغيير الحكومة بات ضرورياً.

إقرأ أيضاً: الرئيس يسرق البرلمان: أنا السلطان، على الإنس والجان

لنعد إلى خطاب دياب. ثمة معطيات تجمّعت لدى الرجل يبدو أنّها باتت تقلقه. لم يكن متوتّراً هكذا من قبل. كانت خطاباته تتراوح بين الهجوم على “ثلاثين سنة مضت” وبين الحديث عن إنجازات الـ”97 %”.

أمس تحدّث كمن يقدّم جردة حساب قبل الخروج من السراي الكبير. اشتكى من “حصار سياسي مالي لتجويع اللبنانيين” ممن “يدّعون أنّهم يريدون مساعدة الشعب اللبناني”. وهو على الأرجح يقصد المجتمع الدولي، إلا إذا كان وليد جنبلاط وسمير جعجع، أو حتّى المتظاهرون، هم الذين يحاصرون لبنان.

هل غاب عن بال الرئيس أنّ لبنان هو الذي لا يحوّل الدولارات إلى الخارج لأنّها غير موجودة؟ وأنّنا بتنا “على الحديدة”؟

هل نسيت الحكومة أنّ المجتمع الدولي يعرف حقيقة القوى التي شكّلتها وتقف خلفها؟

لبنان ليس مُحاصراً من أحد. البحر مفتوح، كذلك المطار والحدود البريّة. لا حصار عسكرياً ولا أمنياً ولا مالياً. كلّ ما هنالك أنّ العرب لا يريدون أن يعطونا من “حرّ مالهم”، وكذلك الأوروبيون والأميركيون. هذا لا يسمّى حصاراً.

هل على المجتمع الدولي “ضربة لازم” اسمها لبنان؟ هل هناك من هو مجبور على تحويل الأموال إلينا؟ هل لدى الدولة أموال “محاصرة” في مصرف ما خارج لبنان؟

ليس على حدّ علمنا.

لبنان ليس مُحاصراً يا دولة الرئيس. يمكن لأيّ كان، من أصدقاء الحكومة، في الداخل والخارج، أن يأتي إلى لبنان وأن يخرج منه، أن يحوّل إلينا المال، أو أن يورّد إلينا ما يريد. يمكن لحلفاء هذه الحكومة أن يقدّموا لها المساعدات. فنزويلا مثالٌ حاضرٌ. كذلك سوريا، يمكن أن تتبرّع بوديعة مليار أو ملياري دولار. ولا ننسَى إيران.

هل نسيت الحكومة أنّ المجتمع الدولي يعرف حقيقة القوى التي شكّلتها وتقف خلفها؟

أليس واضحاً أنّ المجتمع الدولي لم يبلع “طعم” الجنسيات الأميركية لبعض أعضاء الحكومة؟

يتحدث الرئيس دياب عن “مجهولين”. يقول: “يلعبون لعبة رفع سعر الدولار الأميركي، والمضاربة على الليرة اللبنانية، ويحاولون تعطيل إجراءات الحكومة لمعالجة ارتفاع سعر الدولار”. ويزيد: “يطالبوننا بإجراءات مالية، ويهرّبون الأموال إلى الخارج ويمنعون التحويلات إلى البلد، ويعطلون فتح الاعتمادات للفيول والمازوت والدواء والطحين، ليقطعوا الكهرباء عن اللبنانيين ويجوّعونهم ويتركونهم يموتون من دون أدوية. وفوق ذلك، يتحدثون عن حرصهم على لبنان ومساعدة الشعب اللبناني”.

من هم هؤلاء المجهولون أيّها الرئيس؟

أنتَ شجاع ولا تخشى الأعاصير، و”تنقذ السفينة التي تكاد تغرق”، كما قلتَ في خطاب الـ”97 %”. فسمّهم. إفضحهم واحداً واحداً. من هم؟ أخبرنا.

أرجوك يا دولة الرئيس: أطلق العنان لخياراتك، أظنّه الوقت المناسب. إبدأ بـ”التدابير والإجراءات المتدرّجة في كلّ المجالات” التي تحدّثتَ عنها. إبدأ قبل أن يشكّلوا حكومة جديدة وحينها سيتّهمونك بالتقصير

في الخطاب المتوتّر أمس، يتحدّث الرئيس عن قطع الطرق قائلاً: “ليس بالضرورة الجائعون الفعليون هم من يقطعون الطرقات. قطع الطرقات هو ضدّ الناس، وليس ضدّ الحكومة”.

من يقطع الطرق؟ دونالد ترامب؟ CIA؟ الموساد؟ من؟

يمكنكم قراءة التقارير الأمنية: هناك رجل دخل وسرق من صيدلية علبتي “سيريلاك” ليطعم طفله الرضيع. وفي صيدلية أخرى رجل رفع المسدّس وطلب علبة حفاضات لطفله (الفيديو مرفق أدناه). الدكاكين بدأت تبيع السجائر “بالحبّة” وليس بالعلبة. الجيش توقف عن شراء اللحم لوجبات العسكريين. والعسكريون والموظفون قاربت رواتبهم الـ100 دولار مع وصول الدولار إلى 10500 في السوق السوداء اليوم.

دولة الرئيس،

هناك وزيرة من حكومتكم “نزلت” إلى الشارع وكادت تبكي. وإذا حاول أحد من مندوبيكم أن يعثر على دولار واحد، بـ1500 ليرة أو حتّى بـ3850 ليرة، سندلّك على المجرمين الذين يتلاعبون بالليرة. هؤلاء لبنانيون مضطّرون لشراء الدولار. أعرف المئات منهم. ألا تعرف أحد يبحث عن دولار ولا يجد؟

قبل ختام خطبته، يقول الرئيس دياب: ” لدينا خيارات عديدة”.

أرجوك يا دولة الرئيس: أطلق العنان لخياراتك، أظنّه الوقت المناسب. إبدأ بـ”التدابير والإجراءات المتدرجة في كلّ المجالات” التي تحدّثتَ عنها. إبدأ قبل أن يشكّلوا حكومة جديدة وحينها سيتّهمونك بالتقصير.

دولة الرئيس،

بصراحة مطلقة، وبكلّ احترام: أنتَ هو الحصار. ويمكنك أن تحاصر حصارك بالاستقالة وبالإعلان عن هويّات الذين حاصروا البلاد وعن أسباب الحصار.

حكومتكم لم تجد موعداً واحداً خارج الـ10452 كلم مربع.

وإذا أردتَ أن تعرف أسباب الحصار، يمكنك العودة إلى الهويات السياسية للوزراء الذين يجاورونكَ.

نحن محاصرون بسببكَ وبسبب حكومتكَ. أما الجائعون فيقطعون الطرق لأن لا سبيل آخر أمامهم للتعبير عن جوعهم، ولا شيء مجهولاً في كلّ ما يجري. الأمور واضحة:

الحزب المسلّح الذي عيّنك هو المشكلة. إذهب وتحدّث معهم. إما تقنعهم، أو استقِل، واشهد أنّك بلّغت.

[VIDEO]

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…