إعادة تأهيل أميركية بريطانية للسلطة الفلسطينيّة

مدة القراءة 6 د


ما زالت أمواج معركة “طوفان الأقصى” الدائرة رحاها على أرض قطاع غزة تهدر عالياً ولا مؤشّر إلى أيّ بحر ستستقرّ عليه. وعلى وقع هديرها تعوم دول وجهات عدّة، بينها السلطة الفلسطينية التي لا تدري حجم الصخرة التي سترتطم بها، ولا ما يمكن أن تحدثه شدّة الاصطدام.
لم تُحسم المعركة التي يُتوقّع أن يصل عدد ضحاياها الفلسطينيين نحو مئة ألف، بين مصاب وجريح، عدا عن النازحين بدون مأوى ولا طعام ولا شراب في منطقة مدمّرة هالكة، غير أنّ تأثيراتها منذ اندلاعها في السابع من تشرين الأول الماضي تطال الجميع. وفي غضون ذلك يتأرجح وضع السلطة الفلسطينية التي باتت تواجه مصيراً مجهولاً.
آخر هذه التداعيات جاء على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي أعلن أنّه “لا يستبعد” مواجهة بين الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية، مثيراً بذلك توتّرات جديدة تضاف إلى الضغوطات التي تواجهها السلطة الفلسطينية منذ اندلاع العدوان على قطاع غزة. وتُعتبر مثل هذه المواجهة، في حال وقوعها، كابوساً لا ترغب السلطة الفلسطينية بالتفكير فيه، وهي في ردّها على هذه التصريحات اعتبرت أنّ لدى نتانياهو “نيّة مبيّتة” في هذا الصدد.

السلطة ترفض المقاومة المسلّحة
ولم تحِد السلطة قيد أنملة عن سياستها الرافضة لأيّ مقاومة مسلّحة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، بل إنّها منذ إعادة تشكيلها في أعقاب انتفاضة الأقصى بين عامَي 2000 ونهاية 2004، ووفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات، تشدّدت بالتزامها بالتنسيق الأمني مع إسرائيل وظلّت متمسّكة باتفاق أوسلو، الذي تحلّلت منه حكومات إسرائيل المتعاقبة، وتوقّفت مفاوضات التسوية السياسية منذ عام 2014.

تسبّبت استباحة الجيش الإسرائيلي لمناطق سيطرة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية رفع وتيرة الاستيطان اليهودي إلى مستويات غير مسبوقة

تسبّبت استباحة الجيش الإسرائيلي لمناطق سيطرة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وتنفيذها عمليات قتل واعتقال لناشطين من فصائل وحركات إسلامية ووطنية، ورفع وتيرة الاستيطان اليهودي إلى مستويات غير مسبوقة، ومصادرة الأراضي، وتخريب البنية التحتية، وتهجير سكّان وفرض قيود على الحركة، فضلاً عن قيام الحكومة الإسرائيلية باقتطاع مئات ملايين من الدولارات من الضرائب التي تجبيها نيابة عن السلطة، في إضعافها وتراجع شعبيتها لدى جمهورها.
منذ السابع من أكتوبر (تشرين الثاني) الماضي ومع اشتعال شرارة معركة طوفان الأقصى، وجدت السلطة الفلسطينية نفسها في وضع لا تحسد عليه أبداً، فهي غير قادرة على فعل شيء عمليّ لردع إسرائيل عن وقف عدوانها، ولا تستطيع تقديم أيّ مساعدة عملية أيضاً للمواطنين الفلسطينيين الذين يتعرّضون لحرب إبادة في غزة منذ أكثر من شهرين. كلّ ما يمكنها فعله مواصلة جهود دبلوماسية تدعو إلى وقف العدوان، ولا تقدر على غير التحرّكات الدبلوماسية التي لم تقوَ حتى دول كبرى في العالم على تفعيلها أمام الإصرار الأميركي على تبديدها.

إعادة تجديد وتأهيل السلطة
ليس ثمّة الكثير ولا اليسير الذي يمكن للسلطة الفلسطينية فعله، بل إنّها اضطرّت إلى قبول التعامل مع مقترح أميركي بريطاني يقوم على “تجديدها وتأهيلها” لإدارة قطاع غزة في اليوم التالي لوقف العدوان. وهي محاولة ترمي كما يقول القيادي في حركة فتح، أحمد غنيم، إلى “استباق نتائج الحرب الدائرة على قطاع غزة وفرض بنية نظام جديد يقدّم للفلسطينيين أملاً تحت لافتة جديدة اسمها حلّ الدولتين”.
قال غنيم في حديث لـ “أساس” إنّ الولايات المتحدة “تعمل على تبديد الانتصار الذي خلقه هجوم السابع من أكتوبر وأثبت أنّ إسرائيل لم تعد قادرة على حماية مصالحها في المنطقة، وهي تسارع إلى استباق مآلات الحرب وتقديم أمل مقرون بعمليّة تحت لافتة حلّ الدولتين. تريد أن توحي هذه المرّة أنّها تقدّم حلّاً عملياً لتحقيق حلّ الدولتين، ولكنّنا ندرك أنّ ذلك ليس سوى محاولة تضليلية جديدة أخرى كما فعلت عدّة مرات في الماضي”.

أكّد غنيم تواصل الاتصالات بين مختلف الفصائل والحركات الوطنية الإسلامية، لا سيما حركة حماس، من أجل التحضير والعمل لمرحلة ما بعد معركة طوفان الأقصى

كان وزير الدفاع البريطاني أعلن الأسبوع الماضي وصول فريق عسكري بريطاني إلى رام الله حيث مقرّ السلطة الفلسطينية، وأنّه سيعمل على مساعدة السلطة الفلسطينية في إطار المقترح الذي أطلقته إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في تأهيل “سلطة فلسطينية متجدّدة” لإدارة قطاع غزة في اليوم التالي لوقف إطلاق النار. وقد أعلن نتانياهو مراراً رفضه لتولّي السلطة الفلسطينية أيّ دور في إدارة قطاع غزة.
ثمّة آخرون يتّفقون مع غنيم في أنّ السلطة الفلسطينية بصورتها الحالية لن تكون قادرة على مواصلة إدارة أمور الفلسطينيين مع انتهاء العدوان الحالي على قطاع غزة. وقال الوزير الأسبق في الحكومة الفلسطينية سفيان أبو زيادة في تصريحات صحافية إنّ “السلطة الفلسطينية الحالية ومؤسّساتها غير قادرة وليست مؤهّلة لقيادة الفلسطينيين”، وأضاف أنّه “يتوجّب تعيين حكومة تكنوقراط تكون مهمّتها الإعداد لإجراء انتخابات عامة والعمل على إعادة إعمار قطاع غزة بعد وقف إطلاق النار”.
أكّد غنيم تواصل الاتصالات بين مختلف الفصائل والحركات الوطنية الإسلامية، لا سيما حركة حماس، من أجل التحضير والعمل لمرحلة ما بعد معركة طوفان الأقصى، وأوضح أنّ ثمّة إجماعاً بين مختلف الفصائل والحركات الفلسطينية على إجراء “تغييرات شاملة في بنيتها وتركيبتها” بشكل يتوافق مع المرحلة الجديدة التي فرضتها معركة طوفان الأقصى. وفي حال نجحت المقاومة في غزة في فرض شروطها وإطلاق سراح المعتقلين في سجون إسرائيل، فإنّ تغييراً دراماتيكياً لا محالة سيغيّر بنية القيادة الفلسطينية الحالية.

إقرأ أيضاً: غزّة: أكبر من السلطة وحماس.. أوسع من منظّمة التحرير

يتوقّع أن يشكّل إطلاق سراح أسرى من عيار عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، مروان البرغوثي، وزملاء له من فصائل وطنية وإسلامية، محطّة جديدة في تطوّر النضال السياسي الفلسطيني، ولا سيما أنّ البرغوثي يحظى بتأييد واسع لدى جماهير الشعب الفلسطيني على مختلف توجّهاته الوطنية والإسلامية. وبينما يبقى ذلك كلّه رهن النتائج النهائية للمعركة الحالية المصيرية، فإنّ المؤكّد أنّ أمواج طوفان الأقصى تضرب الجميع بمن فيهم إسرائيل، ولا سيما قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية الحالية التي جاءت للمفارقة نتيجة انتفاضة الأقصى أيضاً.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…