إعادة اللبنانيين: مهمّة مستحيلة

مدة القراءة 5 د


نجح رئيس مجلس النواب نبيه بري في تطويع مجلس الوزراء ورئيسه حسان دياب، بعد أن اتخذ المجلس في جلسة أمس، القرار بإعادة اللبنانيين من الخارج اعتباراً من يوم الأحد المقبل. اللافت في القرار هو القرار نفسه. فهو الأول من حيث الأهمية، يصدر من مجلس الوزراء ضمن جلسات يوم الثلاثاء التي لا يحضرها رئيس الجمهورية، في إشارة إلى أنّ بعبدا قد لا تكون راضية عنه أو في أضعف الإيمان، تتهرّب من تحمّل مسؤولية تبعاته الوبائية المحتملة، بعد أن عجزت عن تعطيله بسبب إصرار الحلفاء في الثنائي الشيعي على تمريره بأيّ ثمن، لاعتبارات تخصّ بيئتهما الحاضنة.

ففي خطابه الأخير، رفض الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، أن تكون قضية هؤلاء “محطّ نقاش مهما كانت الظروف والتحدّيات”. أمّا بري، فربط استمرار مشاركته في الحكومة (يُفترض أنّها مستقلّة عن أحزاب السلطة) بتنفيذ هذا الطلب الذي كان منذ اليوم الأول للأزمة يرفضه حسان دياب لأسباب تتعلّق بالإمكانات والأمور اللوجستية.

مصادر في وزارة الخارجية كشفت لموقع “أساس” أنّ العدد الرسمي، حتى بعد ظهر أمس، كان في حدود 20 ألف مسافر يريدون العودة. نحو 8 آلاف مقبلون من القارة السمراء، أفريقيا، وأغلبهم رجال أعمال وتجار، فيما قرابة 5 آلاف آخرين، جلّهم من الطلاب، سيأتون من القارة العجوز، أوروبا، في حين يتوزّع البقية على القارات الأخرى (آسيا والأميركيتين وأستراليا).

إقرأ أيضاً: شهادات عالقين في أوروبا وأفريقيا ودول عربية: مسقط هي الأفضل

إلاّ أنّ مصادر أخرى مقرّبة من شركة “طيران الشرق الأوسط” التي ستتكفّل بإعادتهم، تحدّثت عن أنّ الرقم غير الرسمي الذي وُضعت في أجوائه قبل أيام، لامس 31 ألف مسافر، لكن يبدو أنّ العدد هبط إلى نحو الثلثين بعدما اتُخذ القرار النهائي بعودة اللبنانيين على نفقتهم وليس على نفقة الدولة أو شركة MEA.

ومن المفارقات الأخرى، أن يكون العدد الأكبر للمطالبين بالعودة، وارد من القارة الأقلّ عدداً في إصابات فيروس كورونا في العالم كله. إذ تشير المصادر إلى أنّ هواجس اللبنانيين المقيمين في أفريقيا، أمنية بالدرجة الأولى أكثر مما هي وبائية، خصوصاً أنهم من المقتدرين الأغنياء الخائفين على ممتلكاتهم وأموالهم في حال دخلت البلدان هناك في الفوضى مع انشغال الدول الغربية بأزماتها الداخلية، ي تلك الراعية للحكومات الإفريقية، مثل بريطانيا وفرنسا والبرتغال. هذا الحال ينطبق على دول مثل الكونغو والغابون وأبيدجان ومالي وتنزانيا وأوغندا، حيث الخلايا المتطرّفة النائمة أو المافيات الأفريقية.

معلومات خاصة حصل عليها موقع “أساس”، تفيد بأنّ شخصيات في أفريقيا نافذة وداعمة مالياً ولوجستياً للثنائي الشيعي، مارست ضغوطها على “حزب الله” و”حركة أمل” لفرض إعادتهم، بعد أن ذكّرتهما بالمتاعب التي يتحمّلونها بفعل “تُهم الإرهاب” وما يرافقها من تهديد بعقوبات أميركية، وأخيراً احتجاز أموالهم في المصارف اللبنانية. وهذا ربما ما يفسّر “قتال” الحزب والحركة بالملف حتى آخر رمق. كما لا يُستبعد أن يكون عدد كبير منهم يتحضّر لحماية ما يمكن حمايته (خصوصاً الأموال) من خلال تهريبه إلى لبنان. وقد يُنظر إلى هذا الشأن على أنّه فرصة ذهبية لتعزيز “مقدّرات الطائفة” من العملات الأجنبية في هذا التوقيت الحرج من عمر الأزمة، بعد إقفال المطار (أهمّ مصدر لتوريد الدولار) وبدء توقف شركات تحويل الأموال عن شحنها إلى لبنان بسبب أزمة كورونا (شركة Money Gram توقفت أمس وشركة Western Union مستمرّة لكن بلا تأكيدات مستقبلية حول مدى الاستمرار).

لكن في الشأن اللوجستي، ثمة عقبات تعيق نجاح الخطة أو أقلّه تفرض إطالة أمدها كثيراً. تذكّر الخطة أنّ المسافرين سيعودون على دفعتين (من 5 إلى 12 نيسان ثم من27 نيسان إلى 4 أيار) كل واحدة تستمر أسبوعاً كاملاً. يعود خلالها نحو 10 آلاف شخص “حسب الأولوية” التي يُفترض أنها تخصّ كبار السنّ وحاملي الأمراض المستعصية.

وسط كلّ هذه التعقيدات، يمكن الاستنتاج سريعاً أنّ الخطة أشبه بفيلم من أفلام “مهمة مستحيلة Mission Impossible”. وأنّها تترك شكوكاً كبيرة في قدرة الحكومة على تنفيذها أو ربما اللجوء إلى تنفيذها بما تيسّر

إلاّ أنّ شركة الـMEA  تملك أسطولاً من 18 طائرة فقط 5 منها كبيرة بسعة 250 راكباً و13 متوسطة بسعة 126 راكباً. وهذا يعني أنّ اللبنانيين في أفريقيا وأوروبا (نحو 13 ألفاً) قد يكونون بحاجة إلى ما يقارب 140 رحلة. أضف إلى أنّ بعض الرحلات البعيدة (الأفريقية، والأميركية، والأسترالية) هي بحاجة إلى الطائرات الخمس الكبيرة ولأكثر من طاقم قيادة ومضيفات. كما أنّ الآلية التي وضعتها الحكومة تؤكد على ضرورة ترك مقعد فارغ بين كل راكبين حفاظاً على مبدأ “التباعد الوقائي”.

وهذا يعني أنّ أعداد الركاب في كل طائرة ستهبط حكماً إلى النصف. ناهيك عن أزمة تسعير التذكرة، حيث تنكبّ إدارة الشركة على دراسته لجعله موحّداً ضمن كلّ رحلة بلا درجات، وكذلك على احتساب الخسائر المتأتّية من ذهاب الرحلات فارغة تماماً إلاّ من الطواقم والفريق الطبي (6 أفراد) وفريق أمني (4 عناصر من الأمن العام). يضاف إلى هذا كله خلافات الشركة مع الحكومة حول التسعير بالدولار أو بالليرة اللبنانية وعن المبالغ المتراكمة في حساب الدولة والتي تمتنع عن دفعها.

وسط كلّ هذه التعقيدات، يمكن الاستنتاج سريعاً أنّ الخطة أشبه بفيلم من أفلام “مهمة مستحيلة Mission Impossible”. وأنّها تترك شكوكاً كبيرة في قدرة الحكومة على تنفيذها أو ربما اللجوء إلى تنفيذها بما تيسّر، à la libanaise ، “على اللبناني”، بحسب سطوة ورغبات وأولويات المطالبين بها… وعليه، ربما الأفضل الرهان من الآن إلى حينه على عامل الوقت علّ ربّك يقضي أمراً يكون مفعولاً.

مواضيع ذات صلة

أيّها اللبنانيّون.. إلى الكمّامة  دُرْ

أعلن وزير الصحة فراس أبيض ارتفاع النسبة الموجبة لفحوص كورونا إلى 2 .14% بعدما كانت تراوح في بداية شهر كانون الأول الفائت بين 5.5% و6%….

كورونا يعود بقوّة: زيادة الوفيات 78% في الشرق الأوسط

قالت منظمة الصحة العالمية أمس الأول (الثلاثاء) إنّ حالات الإصابة بفيروس كورونا تضاعفت ثلاث مرّات في جميع أنحاء أوروبا خلال الأسابيع الستة الماضية، وهو ما…

الكورونا مجدّداً في لبنان: هل “ينفجر” في تموز؟

كورونا.. جدري القردة.. التهاب الكبد الوبائيّ. يبدو أنّ البيئة المجتمعية والصحيّة في لبنان تساعد على تكاثر الفيروسات. دخل “جدري القردة” لبنان عبر حالة وافدة من…

“أنت البطل في معركة الوباء”.. كواليس كورونا الصينية

“أنت البطل في معركة الوباء” (To fight against covid-19, you are the hero) هو عنوان كتاب يعود بنا إلى بداية أحداث انتشار وباء فيروس كورونا في…