“أ.ف.ب” تقرّر: حماس ليست إرها..بيّة

مدة القراءة 6 د


“هل تدين هجوم حماس الإرهابيّ؟”. أوّل سؤال كان يُطرح على الضيوف، سياسيين ومحلّلين وإعلاميين، في البرامج السياسيّة على التلفزيونات الغربيّة منذ “7 أكتوبر” (تشرين الأوّل): “Do you condemn Hamas?”، سألت كريستيان أمانابور سفير فلسطين لدى المملكة المتحدّة على شاشة CNN. وبعض القرّاء ربما شاهدوا المقابلة كاملة، التي نشرها موقع “أساس”.

“I know you will ask me: do you condemn Hamas?”، قال الإعلامي الكوميدي المصريّ باسم يوسف بسخرية للإعلامي البريطاني بيرس مورغن حين استضافه هذا الأخير في برنامجه التلفزيونيّ. جواب يوسف الساخر. انتشر على ملايين مئات صفحات التواصل الاجتماعيّ. وشاهد نسختها الأصلية باللغة الإنكليزية أكثر من 20 مليوناً في الأسبوع الأوّل، على موقع يوتيوب. مقابلة جعلت من الإعلامي المصريّ “بطلاً قوميّاً” في العالم العربي.

في بيانها ذكرت “أ.ف.ب” أنّ “العديد من الحركات أو الشخصيات المقاوِمة التي كانت مصنّفة إرهابيّة تمّ الاعتراف بها (فيما بعد) من قبل المجموعة الدوليّة وأصبحت من اللاعبين المحوريين في الحياة السياسيّة في بلدانها”. وأعطت مثالاً على ذلك نيلسون مانديلا

سِجال فرنسيّ حول إدانة “حماس الإرهابيّة”

الموضوع ذاته، إدانة “حماس الإرهابيّة” في هجومها على إسرائيل، أطلق سجالاً سياسيّاً في فرنسا بين حركة “فرنسا غير الخاضعة” من جهة، والحكومة والأحزاب والتيارات السياسيّة المؤيّدة لإسرائيل من جهة أخرى. لم تُدِن “فرنسا غير الخاضعة” هجوم حماس، فاتُّهمت بدعم الإرهاب. وتعرّضت لحملة سياسيّة وإعلاميّة كبيرة. وفي “الجمعية الوطنيّة” (البرلمان) قوبلت رئيسة كتلتها البرلمانيّة ماتيلد بانو بالصراخ في أثناء إلقاء كلمتها حول الحرب في غزّة، عِلماً أنّ بانو قالت: “أنا أدين هجوم حماس كما أدين ردّة الفعل الإسرائيليّة التي تقتل الأبرياء في غزّة”.

“أ.ف.ب” لا تصنّف حماس إرهابيّة

تجدّد النقاش في فرنسا بعد قرار “وكالة الصحافة الفرنسيّة” عدم تصنيف حماس إرهابيّة في تغطيتها للحرب في غزّة.

فماذا في التفاصيل؟

في 28 تشرين الأول أصدرت الوكالة بياناً بعنوان: “حرب إسرائيل – حماس: كيف تستعمل “أ.ف.ب” كلمة إرهاب؟”. وقّع البيان إيريك فيشارت (Eric Wishart) رئيس التحرير، المسؤول عن مبادئ القِيم والتحرير في الوكالة. وجاء في نصّه أنّ “الوكالة لا تصنّف حركة حماس إرهابيّة. ولن تستخدم تعبير “إرهابيّة” أو “إرهابي” إلا إذا كان الكلام منقولاً عن حكومة أو منظّمة تصنّف حماس إرهابيّة”.

معروف أنّ الحركة تصنّفها قبل الولايات المتحدة الأميركيّة والاتحاد الأوروبيّ وبريطانيا وإسرائيل “إرهابيّة”.

أضاف البيان أنّ “استعمال كلمة إرهابي أصبح مسيّساً وحسّاساً للغاية. العديد من الحكومات تصنّف حركات مقاومة أو معارِضة لها تنظيمات إرهابيّة”. وختم بيان “أ.ف.ب”: “واجبنا نقل الأحداث دون خوف ولا تحيّز. ونتابع هذه الرسالة كلّ يوم في إسرائيل وغزّة وأوكرانيا، وفي كلّ مكان ينتشر فيه مراسلونا في العالم”.

مدير الوكالة Phil Chetwynd أوضح ردّاً على سؤال طرحته صحيفة “لوفيغارو” الفرنسيّة اليمينيّة، أنّ كلمة إرهاب “فقدت معناها”. وأضاف: “كلّ الحكومات الديكتاتوريّة في العالم تستعمل هذا التعبير لتصنيف المعارضين لها. نفضّل (نقل) الأحداث كما نشاهدها. الوصف التفصيليّ للهجوم الوحشيّ (لحماس) في إسرائيل واضح للقارئ”.

كما أوضح رئيس الوكالة فابريس فرايز، في رسالة وجّهها إلى صحيفة “لوفيغارو” التي كشفت عن مراسلة داخليّة لـ “أ.ف.ب” بهذا الشأن، أنّ “الوكالة ليس لها أن تصنّف من هم الأخيار ومن هم الأشرار، إنّما (دورها) أن تُخبر ماذا يحدث، بطريقة دقيقة قدر الإمكان”.

من جهته رفض رئيس Amnesty فرنسا جان – كلود ساموييه استعمال كلمة “إرهابيّة” لوصف حماس. في مقابلة إذاعية قال ساموييه إنّ “تعبير إرهابيّ غير معترف به في القانون الدوليّ”. ومن أجل ملاحقة حماس على ما ارتكبته في هجومها ضد المدنيين في اسرائيل تصفها المنظّمة الحقوقيّة العالميّة في تقاريرها بـ “تنظيم فلسطينيّ مسلّح ارتكب جرائم حرب”.

الموضوع ذاته، إدانة “حماس الإرهابيّة” في هجومها على إسرائيل، أطلق سجالاً سياسيّاً في فرنسا بين حركة “فرنسا غير الخاضعة” من جهة، والحكومة والأحزاب والتيارات السياسيّة المؤيّدة لإسرائيل من جهة أخرى

ردود مَع أو ضدّ

أيّد زعيم حركة “فرنسا غير الخاضعة” جان لوك ميلانشون وكالة الصحافة الفرنسيّة في بيانها. ونشر على “إكس” (تويتر سابقاً): “تعبير إرهاب هو تمويه للهروب من العدالة الدوليّة ولإعطاء الحقّ (بارتكاب) المجازر”.

كما انتقدت النائبة “الماكرونيّة” آن لورانس بيتيل قرار “أ.ف.ب”، وقالت: “لماذا تعتبرون البرابرة مقاومين؟ والمجازر بحقّ اليهود حرباً تقليديّة؟… هل أنتم وكالة ميلانشون للصحافة؟”.

واعتبرت زعيمة اليمين المتطرّف مارين لوبان أنّ عدم استعمال تعبير إرهاب هو “نوع من الاسترضاء لحماس”.

من جهته رئيس حزب الجمهوريين إيريك سيوتي قال: “عندما شاهدنا درجة البربريّة في أعمال حماس، يمكننا تشبيه رفض “أ.ف.ب” الصادم لاعتبارها (أعمالاً) إرهابية (وكأنّه) محاولة للتخفيف من الرعب”.

هذا في فرنسا. أمّا في إسرائيل، فيبدو أنّ قصف مكاتب وكالة الصحافة الفرنسيّة في غزّة (يوم الخميس 3 تشرين الثاني) هو ردّ على قرارها عدم تصنيف حماس إرهابيّة.

نيلسون مانديلا وياسر عرفات

في بيانها ذكرت “أ.ف.ب” أنّ “العديد من الحركات أو الشخصيات المقاوِمة التي كانت مصنّفة إرهابيّة تمّ الاعتراف بها (فيما بعد) من قبل المجموعة الدوليّة وأصبحت من اللاعبين المحوريين في الحياة السياسيّة في بلدانها”. وأعطت مثالاً على ذلك نيلسون مانديلا.

لم تجرؤ الوكالة على إعطاء “منظّمة التحرير الفلسطينيّة” وزعيمها التاريخيّ ياسر عرفات مثالاً، علماً أنّ فرنسا صوّتت منذ نصف قرن (في 22 تشرين الثاني 1974) على تأييد الاعتراف بالمنظمّة “عضواً مراقباً في الأمم المتحدّة”. في حين أنّها مصنّفة “إرهابية” من قبل إسرائيل والولايات المتحدة الأميركيّة.

لم يمنع هذا التصنيف فيما بعد رئيس الولايات المتحدة الأميركيّة السابق بيل كلينتون من دعوة عرفات إلى واشنطن لإبرام اتّفاق أوسلو (1993). وصافحه أمام العالم أجمع. كما صافحه رئيس حكومة إسرائيل آنذاك إسحق رابين بعد توقيع الاتّفاق الذي اغتاله الإسرائيليون بعد توقيعه بعامين (1995). ذاك الاغتيال فتح الباب لبنيامين نتانياهو للوصول إلى رئاسة الحكومة الإسرائيليّة للمرّة الأولى (1996) حين فاز بفارق بسيط على شمعون بيريز.

إقرأ أيضاً: أبو عبيدة وباسم يوسف: من يحمي “رواية” المقاومة؟

للمفارقة، منذ وصول نتانياهو إلى السلطة بدأت حركة حماس في تنفيذ عمليات ضدّ الإسرائيليين في أراضي الـ48. فشنّ ضدّها خمس حروب في غزّة. ولم ينجح في إضعافها لإخراجها من المعادلة الفلسطينيّة. ويبدو أنّ هجوم حماس على مناطق غلاف غزّة هو الذي سيخرج نتانياهو نهائياً من الحياة السياسيّة في إسرائيل.

هذا ما سيتأكّد بعد جلاء غبار الحرب السادسة التي يشنّها ضدّ غزّة تحت شعار “القضاء على حماس نهائياً”!

مواضيع ذات صلة

إلى الدّكتور طارق متري: حول الحرب والمصالحة والمستقبل

معالي الدكتور طارق متري المحترم، قرأت مقالك الأخير، بعنوان: “ليست الحرب على لبنان خسارة لفريق وربحاً لآخر”، في موقع “المدن”، بإعجاب تجاه دعوتك للوحدة والمصالحة…

“حزب الله الجديد” بلا عسكر. بلا مقاومة!

أكّد لي مصدر رفيع ينقل مباشرة عن رئيس الوزراء الإسرائيلي قوله: “أنا لا أثق بأيّ اتّفاق مكتوب مهما كانت لديه ضمانات دولية من أيّ قوى…

هل تنأى أوروبا بنفسها عن عقدة محرقة غزّة؟

بعد 412 يوماً من الإمعان في إشعال المحرقة في فلسطين ولبنان، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمراً باعتقال رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير جيشه المخلوع…

لبنان “صندوق بريد” بين إسرائيل وإيران

ما تسرّب من “المبادرة الأميركية” التي يحملها آموس هوكستين مفاده أنّه لا توجد ثقة بالسلطات السياسية اللبنانية المتعاقبة لتنفيذ القرار 1701. تقول الورقة بإنشاء هيئة…