كمنّ يُخرِج الحكومة من فم التنين، نشطت الاتصالات في الساعات الماضية في محاولة لإنقاذ المبادرة الفرنسية، بما فيها “هيبة” الرئيس إيمانويل ماكرون ورصيده السياسي الذي “استثمره” بالكامل، كما قال، في مسعاه على الحلبة اللبنانية.
وحدَه الرئيس المكلّف مصطفى أديب، ومعه الفريق الداعم له، يعمل تحت ضغط المهلة الفرنسية. باقي القوى السياسية تدرك أنّ ترف الوقت ليس متاحاً لكن “الساعة الفرنسية يمكن أن تنتظر إذا كانت الجهود المبذولة يمكن أن تقود إلى حلحلة العقد الحكومية… وإلا فالاعتذار واجب”.
إقرأ أيضاً: جنبلاط متضامن مع برّي والشيعة متوجّسون من “مشروع اقتصادي” يستبعدهم
أتى موقف الإليزيه أمس لـ”يُشرّع” أيّ مهلة إضافية في سياق تفادي الوصول إلى الحائط المسدود ودفن المبادرة الفرنسية في مهدها في ظلّ مناخات تروّج لعقوبات أميركية أكثر قساوة على شخصيات لبنانية.
أول من أمس طلب الرئيس المكلّف موعداً للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون عند الساعة الحادية عشرة من يوم الأربعاء. كان يفترض أن يحمل أديب بين يديه صيغة واحدة للحلّ: “لدي تصوّر لتشكيلة حكومية جاهزة من 14 وزيراً. وإذا لم يكن هناك توافق سياسي على التشكيلة، والكتل ستصوّت ضدي في حال وصول الحكومة لتمثل أمام البرلمان، فسأعتذر”.
تؤكد أوساط الرئيس بري أن لا نقاش في بقاء الحقيبة بيد الطرف الشيعي. لكن هناك انفتاح إلى أقصى الحدود من جانب رئيس مجلس النواب في ما يتعلّق بالأسماء
لكن صباح أمس عاد أديب واتصل بالقصر الجمهوري طالباً تأجيل الموعد 24 ساعة، فيما راهن عون على أن تفتح مشاوراته ثغرة في جدار الأزمة. مع العلم أنّ التأجيل قد يفتح على تمديد آخر للمهلة خصوصاً إذا ضغط الفرنسيون في هذا الاتجاه.
يقول المطلعون على حركة الاتصالات الحكومية إنّ “المشاروات التي قام بها رئيس الجمهورية بغضّ النظر عن مدى دستوريتها كشفت عن توجهيّن يختلفان عمّا يعمل عليه الرئيس المكلّف: الأول يسعى ميشال عون لتكريسه ويقضي بمشاركة الكتل في التسمية، والثاني المداورة و”مصير” حقيبة المال. وهي خلاصات شكّلت مادة تفاوض جديدة مع أديب”.
يضيف المطلعون أنّ “صعود أديب إلى قصر بعبدا أمس، كان سيؤدي إلى اعتذاره حتماً. ولذلك، فإن الساعات الماضية شهدت محاولات لتسجيل خرق على مستوى التوصّل إلى صيغة وسطية في شأن الأسماء تولاها اللواء عباس إبراهيم، تحديداً مع رئيس الجمهورية والثنائي الشيعي بالتنسيق مع أديب، وهذا ما يفترض إبداء الرئيس المكلّف ومن خلفه مرونة حيال هذا الأمر”.
أما على صعيد حقيبة المال، فتؤكد أوساط الرئيس بري أن “لا نقاش في بقاء الحقيبة بيد الطرف الشيعي. لكن هناك انفتاح إلى أقصى الحدود من جانب رئيس مجلس النواب في ما يتعلّق بالأسماء. لا يهمّ إذا أتت التسمية من جانب مصطفى أديب أو من جانبنا. المهمّ التداول بالاسم قبل أن يثبّت على لائحة التوزير. لا شرط لدينا سوى رفض القفز فوق قرارنا بالمشاركة في التسمية، ولا مانع حتى بأن يكون وزير المال المقبل من حاملي الجنسية الفرنسية. ولسنا معنيين بالتفاوض في شأن الحقائب السيادية الأخرى إن كان الخارجية أو الداخلية أو الدفاع. ونقبل بأيّ صيغة للتشاور حول باقي الوزراء الشيعة”.
لكن الأوساط نفسها تشير إلى “إصرار الحريري على تظهير أنّ هناك “مشكلاً” معنا، في حين أننا نتمسّك بعلاقة الصداقة والتنسيق معه وأهمية دوره في هذه المرحلة. لقد فاجأنا الحريري بسلوكه الصدامي”.
وزير المال الوحيد بين الوزراء صاحب تقريباً صلاحية توقيع كافة المراسيم العادية والمتخذة في مجلس الوزراء لكي ترتّب أعباء مالية على الدولة، وثمة من يعتقد أنّه بات بحكم الأمر الواقع من “مكتسبات” الطائفة الشيعية
عملياً، فإنّ موقف الرئيس سعد الحريري، الأوّل منذ تكليف مصطفى أديب، في شأن المداورة، عكس حدّة التصادم مع الثنائي الشيعي. لكنّ الأمر المؤكد، وفق المعلومات، أنّ منطق المداورة في القاموس الفرنسي لا علاقة له بالمداورة بين الطوائف. وهو واقع تعرّف عليه الفرنسيون لتوّهم مع غرقهم في الوحول اللبنانية. لذلك، هم مع المداورة ليس بمنطق انتقال الحقيبة من طائفة إلى أخرى، بل بانتقالها من طرف سياسي مُحتكر ومهيمن إلى وزير اختصاصي يعمل وفق خبرته، وليس انطلاقاً من ولائه السياسي. يهمّهم الاسم والسيرة الذاتية لا المذهب والطائفة. وهو الأمر الذي ينطبق على كلّ طاقم الحكومة. هذه على الأقل ترجمة حواري فرنسية تبرّر تمديد فترة التكليف.
والموقف الفرنسي شكّل حجّة أكبر للثنائي الشيعي الذي عكست أوساطه امتعاضاً من الفريق السني على رأسه الحريري “بسبب استغلاله لحظة فرض العقوبات الأميركية والمبادرة الفرنسية الانقاذية من أجل تحقيق مكاسب لا تقدّم ولا تؤخّر في العملية الإصلاحية، لا بل إنّ ارتدادتها الوطنية سلبية وخطيرة، فيما موقف عون من المداورة لا يقلً استفزازاً عن موقف الحريري”.
وزير المال الوحيد بين الوزراء صاحب تقريباً صلاحية توقيع كافة المراسيم العادية والمتخذة في مجلس الوزراء لكي ترتّب أعباء مالية على الدولة، وثمة من يعتقد أنّه بات بحكم الأمر الواقع من “مكتسبات” الطائفة الشيعية، وعلى هذا الأساس انطلقت مفاوضات ما بعد تكليف أديب.
لطالما ردّد بري أمام سائليه عن سبب تمترس مساعده الأول على كرسيّ المالية منذ العام 2014 فيردّ قائلاً: “من لديه مَمسك على علي فليأتِ به إليّ”. كان يقصد بذلك “ممسكاً” يحشره في زاوية الاتهام في ملف فساد ما. اليوم بات اسم علي حسن خليل مستبعداً عن أيّ تركيبة حكومية، تماماً كما باقي الوزراء السياسيين، ليحصر خيار برّي باسم خارج العباءة الحزبية تماماً وخارج دائرة نفوذ عين التينة.