أم قصر العراقية: هل “باعها” العراق للكويت؟

مدة القراءة 7 د


ما بين الشأن الداخلي العراقي والاستغلال الإيراني المُحتمل ربطاً بملفّ “حقل الدرّة” المُتنازع عليه بين إيران وكلّ من السعودية والكويت، تشعّبت قضية مدينة أمّ قصر الواقعة في أقصى الجنوب العراقي ضمن محافظة البصرة، لتنكأ الجراح بين العراق والكويت، وتشوّش على المسار الإيجابي الذي بدأ يرتسم بينهما في الآونة الأخيرة.

فما هي قصّة حديث بعض العراقيين عن “بيع” حكومتهم أراضي للكويت؟ وما خلفيّات إثارة الموضوع في هذا التوقيت؟ وهل هناك أصلاً خلاف بشأن الحدود البرّية؟

الزيارة عشيّة ذكرى الغزو

بداية القصّة كانت مع الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الكويتي سالم عبدالله الجابر الصباح للعراق في 30 تموز الماضي، عشيّة ذكرى الغزو العراقي للكويت الذي يصادف 2 آب، في توقيت تمّ اختياره بعناية، بما يحمله من رمزية تاريخية ووجدانية، خصوصاً للكويتيّين.

كانت الزيارة إيجابية بكلّ تفاصيلها، بدءاً بإعلان الجانبين إجراء “نقاش مستفيض” في ملفّ ترسيم “الحدود البحرية”، والاتّفاق على “الاستمرار بالنقاشات من خلال اللجان الفنّية المختلفة” مع “تشكيل لجنة عليا تشرف على كلّ اللجان الفرعية”، مروراً بالاتفاق على التعاون الأمنيّ وتسهيل الزيارات بين البلدين، وصولاً إلى إعلان وزير الخارجية الكويتي قرار بلاده “فتح ملحقيّة تجارية في القنصلية الكويتية بالبصرة” وحرصها “على إعادة الأمور إلى نصابها بالعلاقة التجارية التاريخية”.

يستشعر الكثير من العراقيين أنّ كلّ مآسيهم بدأت مع خطيئة صدّام حسين الكبرى بغزو الكويت في عام 1990، ولذلك تأخذ أيّ بوادر خلاف ثنائي مع الكويت أبعاداً إعلامية وشعبية

كانت الأمور تسير على ما يرام في بغداد حيث لقي الوزير الكويتي حفاوة بالغة، واستقبله رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، فضلاً عن محادثاته الموسّعة مع نظيره فؤاد حسين، “مايسترو” تحسين العلاقات بين البلدين.

لكنّ ما حصل أنّه خلال المؤتمر الصحافي المشترك بين وزيرَي الخارجية، وتحديداً أثناء الردود على أسئلة الصحافيين، تحدّث الوزير الكويتي عن “وعد” من محافظ البصرة بحلّ مشكلة بيوت العراقيين في أمّ قصر، من دون أن يوضح كامل التفاصيل. فانطلقت عندئذٍ حملة عراقية في وسائل التواصل الاجتماعي، وصلت إلى مستوى “الترند”، تنديداً بما وصفته “صفقة جديدة” تنازلت بموجبها حكومة محمد شياع السوداني عن قرية أمّ قصر للكويت.

مع خروج تظاهرات محدودة في البصرة، وصل الأمر إلى حدّ نسب تدوينة لمحافظ البصرة أسعد العيداني يذكر فيها أنّ “أمّ قصر كويتية وانقضى الأمر”، بالتزامن مع نشر فيديو قديم لقضية أخرى، بهدف الإيحاء بأنّه يتمّ إخلاء المدينة من قاطنيها.

القصّة الكاملة من 1994 إلى 2023

أمام تصاعد الحملة، اضطرّت الحكومة العراقية إلى إصدار توضيح على لسان الناطق باسمها، تلاه بيان رسمي من وزارة الخارجية، ثمّ تصريح مباشر من رئيس الوزراء، وأيضاً توضيح جازم من محافظ البصرة.

لكنّ كلّ تلك التوضيحات الكافية تقنيّاً والواضحة سياسياً، لم تؤدِّ إلى تهدئة الانتقادات العراقية بشكل تامّ، لأنّ الأهداف أصلاً سياسية داخلية، ومرتبطة بالانتخابات المحلّية في العراق المقرّرة بعد أشهر، ومن يقف وراء “تسعير” الحملة كان يعرف منذ البداية أنّه متّكئ على “قضية وهميّة”.

في ما يلي تسلسل زمني يوضح خلاصة الموضوع استناداً إلى المواقف العراقية الرسمية، التي تؤكّد أنّه لا توجد أصلاً مشكلة في الحدود البرّية مع الكويت، وأنّ حلّ مشكلة منازل أمّ قصر يهدف إلى ختم “آخر جرح بسيط” بهذه الحدود:

1- ترسيم الحدود البرّية أُنجز في 10 تشرين الثاني من عام 1994، خلال عهد النظام السابق، ومنذ ذلك الحين لم تتقدّم الكويت بأيّ خطوة تجاه الحدود العراقية، ولم يتقدّم العراق أيّ خطوة تجاه الحدود الكويتية.

2- الدعامات البرّية الحدودية مثبتة وفقاً لقرار الأمم المتحدة رقم 833 لسنة 1993.

3- بعد تحسّن العلاقات بينهما، اتّفق البلدان في 2013 على حلّ المشاكل العالقة، ومن بينها مشكلة قرية صغيرة على الحدود مؤلّفة من 102 منزل، كانت تسمّى “قاعدة القوّة البحرية” أو “الحيّ السكني للقوّة البحرية العاملة في قاعدة أمّ قصر البحرية”.

تكمن المشكلة في أنّ هذه المنازل تقع ضمن نطاق محرمات الدعامات الحدودية (نحو كيلومتر بين البلدين)، ولا يمكن للعراق إزالتها، ولذلك اقترحت الكويت أن تتكفّل ببناء مدينة سكنية بديلة متكاملة باتجاه مدينة أمّ قصر.

4- وافق العراق على المقترح، وأنجزت الكويت بناء المدينة البديلة في عام 2020، وهي مكوّنة من 228 منزلاً، أي أكثر من ضعف العدد المطلوب، مع كامل خدماتها اللوجستية.

5- العراق تسلّم المدينة منذ نحو 3 سنوات، إلا أنّه لم يوزّع المنازل على أصحابها، لأنّ السلطات المعنيّة في محافظة البصرة لم تقُم باستكمال الخدمات عبر إيصال الماء والكهرباء والإنترنت.

بناء على ذلك، فإنّ ما تحدّث عنه الوزير الكويتي في المؤتمر الصحافي يتعلّق بوعد محافظ البصرة بإيصال الكهرباء والمياه إلى المنازل الجديدة تمهيداً لإزالة المنازل القديمة الواقعة ضمن محرمات الدعامات البرّية الحدودية، وهو أمر من حقّ الكويت ما دامت التزمت بتوفير البدائل، وفقاً لما هو متّفق عليه.

بعيداً عن الحدود البرّية، تعدّ الحدود البحريّة أحد الملفّات الأساسية العالقة بين البلدين، واستحوذت على مساحة واسعة من المحادثات الأخيرة التي أجراها وزير الخارجية الكويتي في العراق

الابتزاز والضغط

في حين أكّدت الحكومة العراقية أنّ ملفّ الحدود مع الكويت “كان وما يزال هدفاً للشائعات أو للابتزاز والضغط السياسي”، أجمع مراقبون عراقيون وكويتيون على أنّ أطرافاً داخلية في العراق استغلّت الموضوع لتحقيق أهداف سياسية، من خلال استخدام هذا الملفّ الحسّاس كدعاية انتخابية مبكرة لكسب صوت الشارع البصريّ، مع اقتراب موعد الانتخابات المحلّية المقرّرة في كانون الأول المقبل.

يستشعر الكثير من العراقيين أنّ كلّ مآسيهم بدأت مع خطيئة صدّام حسين الكبرى بغزو الكويت في عام 1990، ولذلك تأخذ أيّ بوادر خلاف ثنائي مع الكويت أبعاداً إعلامية وشعبية.

تؤكّد مصادر مطّلعة أنّ “بقايا الصدّاميين لعبوا دوراً كبيراً في تأجيج الشارع العراقي من خلال الإيحاء بأنّ هناك بيع أراضٍ للكويت”، مشيرة إلى أنّ ما ساهم في تصاعد الحملة هو محاولة استهداف محافظ البصرة الذي طُرح مراراً اسمه مرشّحاً لرئاسة الحكومة العراقية، وهو لاعب رئيسي في الانتخابات المحلية المقبلة.

برز رأي آخر أعطى للملفّ بعداً إقليمياً، ويرى مؤيّدوه أنّ إيران أرادت من “المساهمة” في تأجيج الموضوع إيصال رسالة إلى الكويت مفادها أنّ “التصلّب” في ملفّ حقل الدرّة للغاز المتنازع عليه سيقابله تحريك لبعض “البؤر الساخنة”.

الخلاف الحقيقيّ

بعيداً عن الحدود البرّية، تعدّ الحدود البحريّة أحد الملفّات الأساسية العالقة بين البلدين، واستحوذت على مساحة واسعة من المحادثات الأخيرة التي أجراها وزير الخارجية الكويتي في العراق.

انطلاقاً من رغبة البلدين بـ”حلحلة كلّ الملفّات العالقة”، تمّ الاتفاق على الغوص في حوارات ومحادثات معمّقة لإنهاء مشكلة ترسيم ما بعد النقطة 162، وهي النقطة الأخيرة المتّفق عليها.

إقرأ أيضاً: السعدون “الرمز”… بين نمور الكويت وقِططها

في هذا السياق، أكّدت مصادر كويتية أنّ الكويت لمست رغبة عراقية حقيقية بتحسين العلاقات وفتح آفاق التعاون، لا سيما في المجالات الاقتصادية والتجارية، مشيرة إلى أنّ ما جرى بشأن أمّ قصر لا يعدو كونه “زوبعة في فنجان” سرعان ما تنتهي آثارها مع انتهاء صلاحية استخدامها في اللعبة السياسية الداخلية في العراق.

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…