حصلت “أساس” على معلومات خاصّة توضح أنّ سبب الخطأ الكبير في مستشفى الياس الهراوي في زحلة، والتشخيص الخاطىء لمسعفي الصليب الأحمر بأنّهم مصابون بفيروس كورونا، وتبيّن لاحقاً أنّهم أصحّاء، هو إنّ الطبيب الذي أشرف على الفحوصات، ووقّع على النتائج، قد زوّر شهادة الطب من إحدى الجامعات العريقة، وهو في الأساس فنيّ في المختبر وليس طبيباً. هذا ما تبيّن في التحقيق الذي بدأ يتوسّع.
إقرأ أيضاً: الحالات الحرجة ترتفع.. أنقذوا مستشفياتنا
هذا المعطى المستجدّ سلّط الضوء على القدرات البشرية في المختبرات، التي وضعها فيروس كورونا تحت الضوء، والتي كانت، بحسب معلومات “أساس”، الطبق الرئيسي في لقاء عقد اليوم بين رئيس الحكومة حسان دياب، وبين لجنة الصحّة النيابية، بحضور وزير الصحّة حمد حسن. وقد تقرّر توسيع التحقيقات في موضوع الفحوصات الخاطئة، “وأن تكون على أيدي متخصّصين، داخل كلّ مستشفى أو مختبر، وفي وزارة الصحّة”، بحسب مصادر حضرت الاجتماع. وذلك إثر تزايد الشكاوى من فحوصات خاطئة.
نقيبة “مستوردي المستلزمات والمعدات الطبية” في لبنان سلمي عاصي تكشف لـ”أساس” أنّ “السوق في لبنان مليئة بنوعيات مختلفة”، أي أنّ هناك كواشف (Kits) باب أوّل، وأخرى “باب ثانٍ”. وكلّما كانت النوعية أقلّ جودةً، فإنّ احتمالات الخطأ ترتفع.
هناك نسبة معيّنة من الخطأ في الفحوص، تعتمد على كمية الفيروس الموجودة في العيّنة المأخوذة، وما إن كانت الفحوصات التي تتغيّر نتائجها من مختبر إلى آخر ومن يوم إلى آخر، قد أجريت على العيّنة نفسها وبالطريقة نفسها
نقيبة المختبرات الطبية في لبنان ميرنا جرمانوس تؤكد لـ”أساس” أنّ اليد العاملة في المختبرات فوق الشبهات “وكفوءة”. وتنفي، متوافقة مع رأي عاصي، أن يكون هناك “مستوردأً سياسياً”، مؤكّدةّ أنّ “هناك مستوردين قريبين من جهات سياسية مختلفة”.
ومع تكاثر الأخطاء في نتائج فحوصات PCR، تقول جرمانوس إنّ “نتيجة الفحص قد تختلف بين يوم وآخر، فالذي يعيد الفحص بعد أسبوع، ربما يكون قد شفي من الفيروس، فتتغيّر النتيجة، أو يكون قد أصيب به، فتتغيّر النتيجة”.
رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي لا ينفي أنّ “هناك نسبة معيّنة من الخطأ في الفحوص، تعتمد على كمية الفيروس الموجودة في العيّنة المأخوذة، وما إن كانت الفحوصات التي تتغيّر نتائجها من مختبر إلى آخر ومن يوم إلى آخر، قد أجريت على العيّنة نفسها وبالطريقة نفسها، ويؤكد على معلومات “أساس” التي تفيد بأنّ تحقيقاً علمياً يجري في الموضوع لتخفيف نسبة الخطأ في الفحوص. وهو ما تمّ بحثه في اجتماع رئيس الحكومة حسان دياب الذي جمع بين رئيس الحكومة والنقابات، ومن ضمنها نقابة المختبرات، أمس.
وعند سؤاله عن الفحوص المستوردة ومصدرها، أجاب عراجي “نحن في لبنان.. ويأتي من هبّ ودب” ويستدرك: “لكن يجب أن تكون مضمونة وموثوقة عالمياً، وذات سمعة طيبة في تصنيع الكيتس”.
في الإطار عينه، يتحدّث نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون عن أنواع مختلفة من الفحوص أو الكواشف الطبية، وكلها تحمل معدّل خطأ “وهذا ليس مستغرباً”. ولذلك يعاد الفحص بعد 3 أو 4 أيام، مستبعداً نظرية اليد العاملة الرديئة في المختبرات: “فكلّ من يُسمح له القيام بالفحوص يحتاج إلى تصريح من وزارة الصحة وإلى تقييم من نقابة المختبرات. ومن ليس لديه تصريح من وزارة الصحة وموافقة على المعدّات والمكان والتهوئة… يمنع من إجراء الـPCR”. ويشدّد هارون على ضرورة عدم فقدان الثقة بالقطاع الطبي، وبالفحوص في هذه المرحلة الحرجة “فالجميع كان حريصاً منذ البداية على أن تكون التدابير مشدّدة في هذا الإطار، كي لا نقع في فخّ الفوضى والمتاجرة”.
فما هو عدد الشركات المستوردة لفحوص الـPCR وتقنياتها، من هي؟ ومن أيّ دول يتم استيرادها؟ وكيف يتمّ تقييمها وعبر مَن؟
النقيبة جرمانوس تؤكد لـ”أساس” أنّ وزارة الصحة تقيّم كلّ المختبرات التي تقوم بفحوص الـPCR، عبر لجنة منبثقة عن نقابة المختبرات، تنفّذ جولات تقييم على جميع المختبرات التي تقوم بالفحوص لتقييمها من حيث الجودة والتقنيات. وتكشف جرمانوس عن تشكيل لجنة مراقبة قبل أكثر من أسبوع بقرار من الوزير لإعادة تقييم كلّ المختبرات “ونرسل عينات من دون أن تعرف المختبرات ما فيها. كما طلبنا من جميع المستوردين أن يوافونا بكافة المعلومات المتوفّرة لديهم عن الكواشف الطبية والأدوية التي تستعمل للكشف عن الكورونا. حتى إنّ مصلحة الأدوية تسأل النقابة عادة عن رأيها بالكواشف الجديدة قبل إدخالها إلى البلد. فبين يدينا قوائم كبيرة بالأنواع المعتمدة لدى منظمة الصحة العالمية”. علماً أنّ كيفية سحب العيّنة في المختبرات تؤثر في النتيجة، كما تؤثّر الفترة الفاصلة بين فحص وآخر. فقد يكون المريض الذي كانت إصابته إيجابية أول مرة، بات الفيروس بطور التلاشي وما عاد موجوداً في بلعومه الأنفي، ما يتسبّب بنتيجة أخرى. فلتقييم المختبرات بشكل صحيح، يجب فحص ذات المسحة في اليوم نفسه.
السوق اللبناني مليء بكواشف كورية وصينية تستعمل خارج المستشفيات الحكومية
وعن أعداد الشركات المستوردة للفحوص، تكشف جرمانوس أن لا حصرية لشركات معيّنة، ولا يتجاوز عددها الـ6، لكنّها تنفي الصبغة السياسية للمشكلة. وعن بلاد المنشأ لا تنكر أنّ هناك كواشف طبية تأتي من الصين، وتكون من الأفضل: “فالصين مصدّر ومصنّع لأغلب الـITEMS المتعلّقة بكورونا اليوم، والتي تباع في جميع أنحاء العالم. ونصف المختبرات الأميركية تصنّع كواشفها في الصين وتعاود وضع label عليها في أميركا”.
وبحسب جرمانوس تعتمد التقارير المحلية على التقييم المعتمد في الدول الأوروبية قبل إدخالها إلى البلد، وهي الكواشف التي تدخل البلد عبر مستوردين يوزّعونها على المختبرات والمستشفيات الخاصة والحكومية برقابة من نقابة المختبرات ووزارة الصحة.
لكن ماذا تقول وزارة الصحة عن كلّ هذه “الخبصة” الحاصلة في موضوع الفحوص؟
يؤكد الدكتور إدمون عبّود، مستشار وزير الصحّة، على جودة الفحوص المستوردة وتقنياتها، التي تأتي بإشراف “منظمة الصحة العالمية”، إما مدفوعة عبر الدولة أو بهبات عبر دولة الكويت. ويشدد في حديثه لـ”أساس” على جودة الكواشف المستعملة تحديداً في المستشفيات الحكومية، والتي تأتي حصراً من بريطانيا وأميركا وألمانيا، وموجودة في مستودع الكرنتينا، وهي الأغلى سعراً وتُعتبر الـ”براند” بين نظيراتها. علماً أنّ السوق اللبناني مليء بكواشف كورية وصينية تستعمل خارج المستشفيات الحكومية: “لكن لا يمكننا القول إنّ هذه الأنواع إنها رديئة. هي أقلّ كلفةً لكنّها ليست رديئة، بل سريعة التلف ربما، لأنّ وزارة الصحة تشرف على استيراد هذه الأنواع، ولا يمكن إدخال أنواع رديئة إلى البلد”.
لا إجابة حاسمة، بانتظار التحقيقات المتعدّدة بين فريق وزارة الصحّة وبين القضاء المختصّ وبين فرق من المستشفيات أو المختبرات حيث تحصل الأخطاء، لكنّ الأكيد أنّ هناك جانباً تجارياً جشعاً في أسباب تكاثر الأخطاء في نتائج فحوص الـPCR، وأنّ هناك جانباً “بشرياًً” يتحمّل نتيحة الخطأ.