أبو مازن: لن يدخل العرب غزّة على دبابة إسرائيلية

مدة القراءة 7 د


المشهد حول غزّة معقّد جدّاً:

– هو سباق في الميدان أوّلاً بعدما دخلت القوات الإسرائيلية إلى منتصف غزّة ووصلت إلى حدود المدينة الصلبة وحاصرتها، وكادت تلامس البحر من شارع صلاح الدين الذي يقسم القطاع المُحاصر من خصره ووسطه.

– وهو من جهة أخرى سباق في الإقليم حول من سيحمل العلم الفلسطيني، بين معسكرَي الدول العربية والدول الإسلامية، اللذين سيجتمع أوّلهما يوم السبت، وثانيهما يوم الأحد، لكن في مدينة واحدة: الرياض.

– وهو من جهة ثالثة سباق لإيجاد مخارج ميدانية وسياسية بعدما أدخلت قضية غزّة العالم في مأزق مفصلي قد يؤدّي إلى تصفية القضية الفلسطينية ما لم يتوحّد الفلسطينيون في قيادة فلسطينية موحّدة وما لم يتوحّد العرب على فرض وقف الحرب.

– وأخيراً هو سباق حول من سينتصر سياسياً بعد كلّ هذه الدماء التي غطّت على حربَي القرن الـ21 الكبيرتين ومجازرهما: سوريا ومن بعدها أوكرانيا.

يسعى نتانياهو إلى محاصرة المفاوضات التي تحصل في الدوحة مراهناً على عدم قدرة حماس على الصمود طويلاً قبل أن تختنق ومحاولاً استباق أيّ قرار أميركي سيصدر لا محال بضبط حرب إسرائيل على غزّة

إسرائيل تطوّق المفاوضات 

تزامناً مع المسار السياسي الناشط في أكثر من عاصمة لإيجاد مخرج مستدام للقضية الفلسطينية ربطاً بالوضع في غزّة، هناك مسار ميداني يحاول الإسرائيلي رسمه بالنار بنجاحه في الدخول إلى القطاع ووصوله إلى تطويق مدينة غزّة حيث تتمركز حركة حماس.

بينما تستمرّ مقاومة حماس بإطلاق الصواريخ على الرغم من انخفاض عددها، تسعى إسرائيل إلى إطالة أمد حصارها للمدينة على أن ينعكس ذلك في فرض شروط على حماس، لتتفاوض على الأسرى، فتتنازل الحركة عن شرط وقف إطلاق النار مقابل إطلاق الأسرى وتنجح إسرائيل في فرض شروطها بالبدء بعملية التبادل تحت النار.

في هذا السياق يسعى نتانياهو إلى محاصرة المفاوضات التي تحصل في الدوحة مراهناً على عدم قدرة حماس على الصمود طويلاً قبل أن تختنق ومحاولاً استباق أيّ قرار أميركي سيصدر لا محال بضبط حرب إسرائيل على غزّة وإجباره على الانسحاب من المناطق الزراعية التي دخلها في القطاع وطوّق المدينة عبرها. وبالانتظار سيسعى نتانياهو إلى تصفية حماس في غزّة مقدّمةً لمحاولته تصفية القضية الفلسطينية.

أمّا الولايات المتحدة الأميركية التي دعت على لسان وزير خارجيّتها إلى “مرحلة انتقالية” في غزّة قبل العمل على إعلان دولة فلسطين، فهي تستدرج تدخّلاً عربياً مباشراً عبر قوات عربية تدخل القطاع لتعيد له الاستقرار قبل البحث في إمكانية إعادة تكوين السلطة لاستئناف مفاوضات جديدة حول إعلان دولة فلسطين.

بدأ هذا الاقتراح الأميركي يتمظهر منذ أسبوعين في مسعى لإشراك الدول العربية في الحلّ الميداني في غزّة تماشياً مع إرادة أميركا وإسرائيل بسحب السلطة من حماس في القطاع لمصلحة السلطة الفلسطينية.

لا بدّ من الاعتراف بأنّ القضية الفلسطينية على مفترق تاريخي ما لم يتدارك الأمرَ الفلسطينيون أوّلاً والدول العربية والإسلامية ثانياً، للدفع باتجاه وقف الاستيطان والتطهير العرقي الذي يطيح بأيّ حدود لأيّ شكل من أشكال الدولة الفلسطينية

حذر ورفض عربيّان لدخول غزّة 

يقول مرجع دبلوماسي مواكب للحراكين المصري والأردني إنّ المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم اقتُرح انتقال أهل غزّة إلى صحراء النقب، كان بالغ الأهمية على مستوى الرسائل التي أراد السيسي أن تصل إلى الأميركيين والإسرائيليين معاً. كذلك كان موقف الأردن الصلب الرافض لتهجير أهل الضفة الغربية إلى أراضيه. اجتمعت مصر والأردن بكلّ ما يجمعهما من قضايا مشتركة ومخاوف مشتركة فوحّدا موقفهما في مواجهة الاقتراحات الأميركية – الإسرائيلية.

بالعودة إلى التجارب السابقة في الصراعات والحروب في الدول العربية، لم تنجح التجارب في تشكيل قوات عربية لحلّ النزاعات، وبالتالي رفضت مصر والأردن مقترحاً أميركياً بأن يدخلا بقوّاتهما غزّة بحسب مصادر دبلوماسية مواكبة، لأنّ دخولهما يحتاج إلى ضمانات تركية وإيرانية غير موجودة، بالإضافة إلى أنّ دخول أيّ قوات عربية لن يكون نزهة، ما لم يكن بالتوافق على حلّ سياسي مع حماس. وهو أمر مستبعد في المدى المنظور. وعليه، يضيف المصدر الدبلوماسي أنّ السيسي سبق أن أجاب على هذا الاقتراح من خلال رفضه نقل الأزمة إلى مصر، سواء أكان عبر تهجير أهل القطاع إلى مصر أو دخول مصر القطاع. كذلك فعل العاهل الأردني برفض الغرق في هذا المستنقع ذهاباً وإياباً من وإلى الضفة أو غزّة.

مصدر دبلوماسي عربي يؤكّد أنّ الاقتراح الأميركي أصله إسرائيلي وفيه قدر من الجنون لا يسمح بطرحه على مصر، بل أنّ وزير الخارجية الأميركية تحدّث عن هذا الإقتراح في نهاية لقائه مع أبو مازن فكان الجواب أنّ “لا أحد من العرب يريد الدخول إلى غزّة على دبابة إسرائيلية”.

ما هي المرحلة الانتقالية التي يمكن أن يفرضها الأميركي في المنطقة قبل إعلان دولة فلسطين؟ وأيّ دولة؟ هذا ما يُنتظر الجواب عليه في القمّة العربية المفترضة يوم السبت على اعتبار أنّ أيّ اقتراح من هذا النوع إن كان جدّياً يوضع على طاولة جامعة الدول العربية أولاً ليحصل على إجماع، وهو أمر بعيد المدى كما تتحدّث مصادر الجامعة.

غير أنّ كلّ هذه الاقتراحات والإسقاطات تتسابق مع مستجدّات الميدان في غزّة، ضمن سياق محاولة إنضاج حلّ سياسي، بتوافق أميركي وعربي حول القطاع تزامناً مع وقف إطلاق النار الذي يقترب.

هل ينجح بلينكن في مسعاه على الرغم من عدم مواكبة العرب لرغبة أميركا وإسرائيل في ما يعتبرونه هدفاً غير واقعي في تصفية حركة حماس في حرب هي بمنزلة إبادة جماعية للفلسطينيين في غزّة؟ 

 

سباق بين القمّتين: من يحمل العلم؟

في حين ينتظر العالم ما ستحمله القمّتان المنعقدتان في الرياض وسط تنافس بين المعسكرين العربي والإسلامي على من سيحمل علم لواء فلسطين في المستقبل، بدا لافتاً تصريح مسؤول المكتب السياسي في حركة حماس إسماعيل هنية عن استعداده للدخول في مفاوضات حول إعلان دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية. في المقابل سارعت بعض القيادات الحمساوية إلى “التصحيح” بأنّ “حماس لا تعترف بحلّ الدولتين”، وأبرزهم عضو مجلس قيادة حماس في الخارج علي بركة.

يبرز هنا خلاف قديم داخل الحركة، التي كانت قد تبنّت في عام 2017 حلّ الدولتين في وثيقتها السياسية. لكنّها تشهد اليوم نقاشاً وانقساماً حول هذه النقطة.

غير أنّ هذه الانقسامات الفلسطينية تقوّي موقف إسرائيل الساعية إلى تصفية القضية. لذلك طلب الأمين العام للمبادرة الفلسطينية مصطفى البرغوثي من الرئيس محمود عباس أن يدعو إلى اجتماع لتشكيل قيادة فلسطينية موحّدة، من ضمنها حركة حماس، لتكون سدّاً منيعاً بوجه تصفية القضية.

إقرأ أيضاً: غزّة أمام قمّة الرياض: قوّات عربيّة؟

ربّما الموقف الفلسطيني الموحّد ليس كافياً لمنع إسرائيل من الاستمرار بالتطهير العرقي الذي باشرت به ليس فقط في غزّة بل في الضفة أيضاً. لكن ينتظر الفلسطينيون من القمّتين العربية والإسلامية أن تفرضا دخول قوافل المساعدات الإنسانية إلى غزّة من معبر رفح. ويريد الفلسطينيون أن يقابل العرب منع إسرائيل دخول النفط إلى غزّة، بحظر النفط العربي والغاز، ومقاطعة البضائع الأميركية، وبالتالي أن يتحوّل الضغط إلى ضغط اقتصادي ليكون أكثر تأثيراً في القرار.

في الانتظار، لا بدّ من الاعتراف بأنّ القضية الفلسطينية على مفترق تاريخي ما لم يتدارك الأمرَ الفلسطينيون أوّلاً والدول العربية والإسلامية ثانياً، للدفع باتجاه وقف الاستيطان والتطهير العرقي الذي يطيح بأيّ حدود لأيّ شكل من أشكال الدولة الفلسطينية.

لمتابعة الكاتب على تويتر: josephinedeeb@

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…