آمال مدللي: جريمة الوطنيّة اللبنانتيّة …

مدة القراءة 6 د


الأرجح أنّ دبلوماسية حاضرة من طراز السيّدة آمال مدللي توقّعت أن يُقدّر لها اللبنانيون عالياً ما أعطته للبلد وما بذلته من أجل لبنان. هذا لم يحصل. ما حصل أنّها اُتُّهمت بتقصير بعد ترك منصبها قبل نحو عام. جهدها في العام الماضي للتجديد لقوات الطوارىء الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل) صار سبباً لاستهدافها إثر تشتّت الحكومة، وللمناسبة عينها خلال العام الحالي.
الأبشع أنّ اسمها أُضيف “بشكل مقنّع” إلى قائمة أسماء دول أخرى اُعتُبرت وكأنّها تآمرت على لبنان الذي لم يجد على مقعده من يدافع عنه.

جريمة اليونيفيل
أبعد من ذلك، علم “أساس” أنّ وزير الخارجية عبد الله بو حبيب قال في مجلس خاصّ إنّه “ورئيس الحكومة مع قرار الأمم المتحدة لكنّ الحزب يعارض”. جاءه الردّ الأميركي عبر قنوات خاصة بالحرف: “القرار للولايات المتحدة التي تغطّي 45 في المئة من كلفة وجود قوات الطوارىء الدولية (اليونيفيل) التي تبلغ 700 مليون دولار، وللحزب كلام آخر غير الذي تتكلّم به”. هذا لا يعني الخوض في هذا السياق بحوار خفيّ أو علنيّ أو عبر وساطة بين الحزب وواشنطن.
ربّما “اليونيفل” هي أقسى الجرائم التي ارتكبناها بحقّ ذواتنا اللبنانية بعد عام 2006، والمقصودة اليونيفيل 2، إذا صحّ التعبير، وذلك يوم اطمأنّ الحزب إلى وجودها فأدار ظهره إلى إسرائيل وأصلانا ما لم يُصلِ به عدوّاً لنا.
الإيحاء الذي وُجّه في بيروت ضدّ الدبلوماسية مدللي لم يحترف اتّهامها لأنّها تركت مهامّها العام الماضي. لكنّ الإيحاء هذا قال الكثير عن أحوال البلد وتردّي وسائطه السياسية والإعلامية التي تطال كلّ “وطني” بقي لهذا اللبنان.
الوطني هو كلّ من يدافع عن البلد وسيادته وحرّيته وبسط شرعيّته على كامل التراب اللبناني. كان الهدف تدفيعه ثمن “الوطنية اللبنانية” بوصفها “جريمة”. والوطنية اللبنانية المقصودة هنا هي تلك التي تنتجها الحداثة لا القبضات وأمجاد كواتم الصوت بالصوت.

مدللي عند رتبة النبلاء في السياسة
الإيحاء عن غير قصد رفع السيّدة مدللي إلى مرتبة الشرفاء في السياسة. ما كان يرميه الإيحاء هو النيل من جهدها الدبلوماسي الذي تميّزت به على مدى سنوات. محاولة النيل منها كانت تروم تقريب رأسها إلى مقصلة ما طالها الحزب ورهطه. ما حصل كان اعتداءً موصوفاً قام على ابتسارٍ لجهدٍ وتستيرٍ على عيوب خارجية بعيدة عن السمع الوطني.

الإيحاء الذي وُجّه في بيروت ضدّ الدبلوماسية مدللي لم يحترف اتّهامها لأنّها تركت مهامّها العام الماضي. لكنّ الإيحاء هذا قال الكثير عن أحوال البلد وتردّي وسائطه السياسية والإعلامية التي تطال كلّ “وطني” بقي لهذا اللبنان

هذا الإيحاء أيضاً وأيضاً كان على غرار سوابق كثيرة في بلاد البؤس والمهانة، لكنّه ما علّم القائمين عليه شيئاً منذ زمن “الدكتيلو”.
الوحل الذي كان مقصوداً أن تُرمى به الدبلوماسية مدللي، هو من الذي تفرزه مجتمعات ودول متحلّلة: طبيعته قذرة. رائحته آسنة. أُريد منه التشهير بجهدها وكأنّ التشهير سيطال سمعةً برّاقة يعرفها الأبعدون قبل الأقربين. سعى هذا التشهير إلى الطعن السياسي بما مارسته السيّدة كحرفةٍ ودربةٍ من دوافع محض وطنية يوم شغلت منصبها.
الذين أرادوا لها ذلك تجمعهم ثقافة وقيَم لا يعني مطلقوها غير اقتسام المقتلة التي تنزل بنا جميعاً. وهي مقتلة تستمرّ منذ أن فقد البلد وأهله صوابهم وانغمسوا في حروب أهلية لبنانية وملبننة، حروب الأزقّة والثارات والقتل على الهويّة. وهذه رثاثة ما بعدها شيء غير السقوط عن أيّ معنى اجتماعي وأخلاقي.

المطلوب قهر مدللي
غالباً ما ينتهي التشهير بالمُشهَّر به إلى “تأديب”. ومن كان في مكانة الدبلوماسية مدللي فالمطلوب واحد، على ما تقول مرتا: أعيدوها إلى لبنان لتأديبها على كلّ ما حصل من أجل لبنان وفي صياغة قرارات الأمم المتحدة المتعلّقة بالمحكمة الدولية الخاصّة من أجل لبنان وصولاً إلى دور اليونيفيل. أعيدوها لتكون عبرة لمن لا يعتبر. أعيدوها باسم القضاء والسيادة والوطنية “ونحن نتكفّل بالماضي”.
ليس من حقّ السيّدة آمال مدللي أن تحنق أو تغضب. ذلك أنّ وطنها امتهن كسر الهامات، وضرب المحترفين والكفاءات. هجر شعبه. سكت عن إقفال مستشفياته وجامعاته. عمَّه صمتٌ عميم على إفلاسه. وكان أن تسيّد على لبنان “الحزب” ورهطه الذي لم يبقَ منه ما يذر. وما عاد عند لبنان غير التشهير والطعن بالوطنية.
بعد تفجير المرفأ آخر ما بقي لدينا، ما عاد عندنا غير تصدير التشهير، والطعن بكرامات الناس. صار عندنا “حزب يفاوض عن الدولة. في لحظات الحياء المفتعَل يأذن لها بالتواصل مع العالم الذي تقطّعت أوصالنا به. قبله فعلت بنا الوصاية السورية الأمر عينه”.
التهافت وضعف الحجّة في النيل من السيّدة مدللي هو شيء من طبيعة “تحكّم” ساد على لبنان. “التحكّم هذا يقول لنا: لكم واحدٌ من اثنين: التعامل أو الوطنية”. وكلاهما ممضّ ويبعث على السأم والاشمئزاز. ففي التعامل بحسب مدرسة هؤلاء مقتلة، إذ لا نزاهة قضائية تنظر في الأمر. وفي “وطنية” هؤلاء مقتلة لوطن برمّته. ذلك أنّ وطنيّتهم هي السلاح والحناجر والرايات السود. مرّة جديدة لا تُحترم الأصول في التعامل مع دبلوماسيّتنا إلى الأمم المتحدة.

علم “أساس” أنّ وزير الخارجية عبد الله بو حبيب قال في مجلس خاصّ إنّه ورئيس الحكومة مع قرار الأمم المتحدة لكنّ الحزب يعارض

أكلاف “الوطنيّة الجديدة” والأسئلة المشروعة
الأسئلة المشروعة بما هي حقّ للسيّدة آمال مدللي أن تطرحها على اللبنانيين أجمعين:
ـ مدللي كانت مندوبة معيّنة من الخارجية مثلها مثل مراد الآن، فلماذا يصحّ لمراد أنّها قامت بما عليها وأمّا مدللي فارتكبت جريمة؟!
ـ ألم يكن بوحبيب هو وزير الخارجية في السنة الماضية؟ ولماذا لم يعطِ تعليماته يومها إلى الأستاذة مدللي كي تتصرّف بوصفها تابعة لإدارته الرشيدة؟
ـ لماذا لم يردّ السيّد بو حبيب على ما قالته السيّدة مدللي من أنّ الخارجية لم تتواصل معها ولم تزوّدها بالموقف؟ أم لم يردّ بوحبيب لأنّ ضغط الحزب كان واضحاً وضاغطاً؟
ـ أليس لبوحبيب حساباته الأميركية المعروفة؟
– الأهمّ والأخطر أن يكون الهدف الأعمق الإساءة إلى نهج الرئيس الشهيد رفيق الحريري من خلال إظهار أنّ مدللي الحريريّة (رفيق) الانتماء هي انعكاس لِما هو “الموقف الحقيقي” من الحزب؟
ـ ما دام الحزب يفاوض مباشرة الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا والصين فلماذا لم يتواصل الوزير بوحبيب مباشرة مع مدللي لأنّه السلطة الفعليّة وأقرّ (عبر ما جاء في الزميلة جريدة الأخبار الغرّاء) أنّه كان على تواصل مباشر مع كلّ هذه الأطراف؟
– هل يريدون مدللي كبش محرقة لتغطية “فعلتهم” وتسليمهم بقرار لم يكن بالإمكان تعديله مقابل الحصول على ترتيبات في الترسيم البرّي والغاز؟
مع آمال مدللي تضخّم الجسد الميليشياوي وضمر الرأس السياسي ـ الدبلوماسي.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: jezzini_ayman@

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…