آرون ديفيد ميلر: بايدن مسؤول مباشرة عن “ما بعد غزّة”

مدة القراءة 7 د


في 25 تشرين الأول، قال الرئيس الأميركي جو بايدن بشأن الصراع الحالي بين إسرائيل وحماس: “لن تكون هناك عودة إلى الوضع الذي كان في 6 تشرين الأول”. لكنّه لو فكّر مليّاً في ما قاله، لكان أعاد النظر فيه بشكل جدّي. فهذه الجملة البسيطة، في رأي المستشار السابق في المفاوضات العربية الإسرائيلية لوزراء خارجية الولايات المتحدة، آرون ديفيد ميلر، تحمل أبعاداً حاسمة بالنسبة لمسؤولية واشنطن في مرحلة ما بعد غزة.

هل أدرك بايدن واجباته؟
يسأل ميلر في مقال له في “فورين بوليسي”: هل أدرك بايدن أنّه ربط الولايات المتحدة بأهداف حرب إسرائيل، وبات يُتوقّع منه أن يلعب دوراً قيادياً في خلق واقع جديد في غزة وفي السلام الإسرائيلي الفلسطيني؟ أم يعتقد أنّه قادر على تسليم معظم العمل بعد الصراع إلى جهات إقليمية ودولية تتولّى بطريقة ما مسؤولية إعادة إعمار غزة وأيّ عملية سلام فاعلة قد تتبعها؟
لا يستبعد ميلر أن تكون الأزمة الحادّة مصدراً للفرص، مشيراً إلى أنّ احتمال تحقيق مكسب يتمّ عادة عن طريق وسيط خارجي. ويتساءل ما إذا كانت إدارة بايدن مستعدّة أو قادرة على لعب هذا الدور، لا سيما أنّ هناك تحدّيات خطيرة تقف في طريق مستقبل أكثر تفاؤلاً، وأنّ الكثير ممّا سيواجه أيّ جهد لتغيير الوضع الذي كان قائماً في 6 أكتوبر لا يزال إلى حدّ كبير خارج قدرة الرئيس على التحكّم.
يشرح ميلر: يواجه بايدن مجتمعين يعانيان من صدمة شديدة، وسيدخل كلّ منهما بطريقته الخاصة في فترة من الحسابات السياسية المطوّلة. فإسرائيل واجهت أخطر هجوم إرهابي في تاريخ البلاد، اليوم الأكثر دموية بالنسبة لليهود منذ المحرقة، وأكبر فشل استخباري منذ الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، وكان احتجاز أكثر من 200 رهينة سبباً في الذهول والصدمة لبلد مهيّأ إلى حدّ ما عبر تاريخه للتعامل مع الإرهاب والعنف. وجاء هجوم حماس ليضيف إلى مخاوف الإسرائيليين من الصواريخ الخوف من المذابح عبر الحدود، ليس فقط قرب غزة، لكن أيضاً على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية وفي الضفة الغربية أيضاً. لقد قوّضت أحداث 7 تشرين الأول جوهر العقد بين المحكومين والحكّام، وهو التزام الحكومة بضمان سلامة وأمن مواطنيها. كما أنّ الرأي العامّ الإسرائيلي، الذي لا يزال يترنّح من أحداث 7 تشرين الأول، لن يكون في حالة مزاجية لتقديم تنازلات كبيرة بشأن دولة فلسطينية على حدوده.

يشرح ميلر: يواجه بايدن مجتمعين يعانيان من صدمة شديدة، وسيدخل كلّ منهما بطريقته الخاصة في فترة من الحسابات السياسية المطوّلة

يعتقد ميلر أنّ الحساب بالنسبة للفلسطينيين أصعب بكثير. فالموت والدمار اللذان تلحقهما إسرائيل بغزة سيتركان الفلسطينيين في غزة غاضبين وفقراء وبلا قيادة. إذا تمكّنت حماس أو خليفتها الإسلامي من البقاء ومن شنّ تمرّد ضدّ قوة احتلال إسرائيلية أو قوة متعدّدة الجنسيات في غزة، فستظلّ الحركة الوطنية الفلسطينية منقسمة بين حماس أو خليفتها في غزة والسلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها فتح في الضفة الغربية، مع رؤيتين مختلفتين حول أين وماذا يجب أن تكون فلسطين.

قيادة فلسطينية جديدة
يؤكّد ميلر أنّ هناك حاجة إلى قيادة فلسطينية جديدة وإصلاح الممارسات الاستبدادية والفاسدة للسلطة الفلسطينية واستبدال محمود عباس ومؤسسة فتح المسنّة، ويشير إلى الحديث عن أنّ الزعيم الفلسطيني الأكثر شعبية، مروان البرغوثي، الذي يقضي حالياً خمسة أحكام بالسجن المؤبّد في أحد السجون الإسرائيلية، سيأتي للإنقاذ. إذ أظهر استطلاع للرأي شمل الفلسطينيين في غزة قبل وقت قصير من هجوم حماس حول هويّة الرئيس أنّ البرغوثي حصل على 32 في المئة، ونال إسماعيل هنية، الرئيس السياسي لحركة حماس، نسبة 24 في المئة، بينما نال عباس نسبة 12 في المئة.
يعتقد ميلر أنّ أيّ أمل في الدفع نحو عملية ذات مصداقية لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يحتاج إلى قادة من كلا الجانبين يتمتّعون بالقدرة والرغبة في اتخاذ قرارات صعبة للغاية وتاريخية، والالتزام بها. لكن من الصعب حالياً ظهور هذا النوع من القادة. ويعتبر أنّ الأولوية بعد الحرب هي لإعادة بناء قطاع غزة المدمّر والمصدوم، ودعم السكان المشرّدين، أي نحو نصف سكان غزة، وإعادة التأهيل النفسي للمصابين بصدمات نفسية، وخاصة الأطفال، وهي مهمّة ضخمة. ويتساءل: من سيتولّى المسؤولية عن هذا الجهد الذي سيتمّ في بيئة قد تظلّ القوات الإسرائيلية موجودة فيها بانتظار آلية انتقالية لضمان الأمن والنظام، وهو ما سيجعل كلّ جهد لإعادة الإعمار وتلبية الاحتياجات الفورية للسكان أكثر صعوبة، فإسرائيل سترغب في تفتيش موادّ البناء، لمنع استخدامها في حفر الأنفاق أو تصنيع الأسلحة، بينما ستبحث إيران عن فرص لتوفير الأموال والموارد اللازمة لتغذية التمرّد؟

يعتقد ميلر أنّ أيّ أمل في الدفع نحو عملية ذات مصداقية لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يحتاج إلى قادة من كلا الجانبين يتمتّعون بالقدرة والرغبة في اتخاذ قرارات صعبة للغاية وتاريخية، والالتزام بها

من سيحكم غزّة؟
يرى ميلر أنّ مسألة من سيحكم غزة تزيد من تعقيد الوضع، ويرجّح احتمال أن تلعب الدول العربية الرئيسية مثل قطر ومصر والسعودية دوراً حاسماً في هذه العملية من خلال توفير الدعم المالي والسياسي، على الرغم من صعوبة تصوّر قوة حفظ سلام عربية تقوم بدوريات في غزة وتقوم بعمليات ضدّ تمرّد الفلسطينيين أو تتمتّع بقدر كبير من الشرعية مع الإسرائيليين الذين ما زالوا يحتلّون القطاع.
لكنّ الحلّ الأكثر منطقية وقابلية للتنفيذ، في رأيه، هو الحكم الفلسطيني الذي يكتسب شرعيّته عن طريق الانتخابات، ويشير إلى أنّ إدارة بايدن تفكّر في السلطة الفلسطينية باعتبارها عنصراً رئيسياً في الحكم المستقبلي في غزة. وينبّه إلى أنّ تمكين السلطة الفلسطينية سيتطلّب ربط إعادة الإعمار والحكم في غزة بعملية جادّة ذات مصداقية لحلّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أي أنّه لا بدّ من ربط شرعية السلطة الفلسطينية، عبر الانتخابات، بجهد حقيقي للتفاوض على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، على أساس حلّ الدولتين. ولإضفاء المصداقية على ذلك، لا بدّ من البدء بخطوات لبناء السلطة الفلسطينية، بما في ذلك تقييد النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية، إن لم يكن إنهاؤه.
إذ يستبعد ميلر إمكانية تحقيق مثل هذه الخطوة بوجود الحكومة الإسرائيلية الحالية، يقول إنّ السؤال الأكبر هو ما إذا لدى بايدن الوسائل للشروع في مثل هذا المسعى الهائل، وإنّه إذا لم تخطّط الإدارة لتكون جادّة بشأن إرساء الأسس لواقع جديد في غزة والضفة الغربية على الأقلّ، فلن يحدث أيّ تغيير يذكر. ومن المؤكّد أنّ الدفع باتجاه السلام الإسرائيلي الفلسطيني سيعني احتكاكاً أو ما هو أسوأ من ذلك مع إسرائيل.

إقرأ أيضاً: بولتون: حماس انتصرت على إسرائيل

يختم ميلر بالقول إنّ بايدن من خلال ربط الولايات المتحدة بالصدمة التي تعرّضت لها إسرائيل في السابع من تشرين الأول، والحملة التي نتجت عنها للقضاء على حماس، وكلّ الموت والدمار اللذين تسبّب فيهما، يشترك الآن في المسؤولية المباشرة عن مصير الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. فهو ألزم نفسه علناً بتغيير جذري في الوضع الراهن. وقد تكون المخاطر كبيرة وفرص النجاح منخفضة. لكنّ التخلّي عن سياسة الالتزام في أعقاب الفظائع التي شهدناها سيقوّض المصداقية الشخصية للرئيس، وكذلك مصداقية أميركا، في المنطقة والعالم. وقد يُذكر بايدن على أنّه الرئيس الأميركي الذي رأس المرحلة الأكثر دموية من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وعلى الأرجح الذي شهد موت المسار الوحيد لإنهائه: حلّ الدولتين.

 

لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا

مواضيع ذات صلة

فريدمان لترامب: كانت المرة الأولى أكثر سهولة

العالم هو دائماً أكثر تعقيداً مما يبدو خلال الحملات الانتخابية، وهو اليوم أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.. وإذا كان قد تمّ تجاوز الكثير من…

برنامج ترامب منذ 2023: الجمهورية الشعبية الأميركية

“سأحطّم الدولة العميقة، وأزيل الديمقراطيين المارقين… وأعيد السلطة إلى الشعب الأميركي“. هو صوت دونالد ترامب الرئيس 47 للولايات المتحدة الأميركية المنتخب يصدح من مقطع فيديو…

20 ك2: أوّل موعد لوقف إطلاق النّار

في حين أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هاليفي أنّ إسرائيل تضع خططاً لتوسيع هجومها البرّي في جنوب لبنان، نقلت صحيفة “فايننشيل تايمز” البريطانية عن…

نصائح أوروبيّة وكوريّة… للتّعامل مع ترامب

تستعدّ الحكومات الحليفة والصديقة للولايات المتحدة الأميركية، كما العدوّة والمنافسة لها، لتحوّلات مقلقة وإدارة أكثر تقلّباً في واشنطن في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية الأميركية مع…