تحقيق المرفأ: 3 خيارات… ورفض الاستنساب والاستهداف

مدة القراءة 3 د

كان قرار المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى يوم السبت الماضي في 19/9/2021 لجهة مسار التحقيق في جريمة تفجير المرفأ، حاسماً. فقد رفض المجلس الشرعي “الانتقائيّة والاستئثار والانتقام السياسي والاستهداف”، ودعا السلطات الثلاث إلى أحد ثلاثة خيارات:

1- التزام المسار الدستوري لجهة الحصانات وعدم الخروج عليها، كما فعل القاضي البيطار.

2- أو رفع الحصانات عن الجميع بقانونٍ في مجلس النواب.

3- أو الذهاب للتحقيق الدولي.

الواضح أنّ المسار المنحرف الذي اختاره القاضي العدلي هدفه المصير إلى أنّ الجريمة ارتكبها مسلمون في حقّ مسيحيين. والأمر ليس كذلك بالطبع. فقد أعرض عن جلب رئيس الجمهورية للتحقيق، وطلب القبض على رئيس الحكومة السابق حسان دياب، مع أنّ الرجلين وعشرات غيرهم تلقّوا رسائل متماثلة، ورئيس الجمهورية القائد الأسبق للجيش يعرف عن نيترات الأمونيوم ما لا يعرفه حسان دياب وأمثاله. والمدير العام لجهاز أمن الدولة استدعاه القاضي النزيه، فحماه رئيس الجمهورية، فأعرض عن ذكره بتاتاً، ولم يطلب القبض عليه كما طلب القبض على غيره، وكذلك المدير العام للأمن العام.

نادراً ما يتدخّل المجلس الشرعي الأعلى في عملٍ من أعمال الدولة أو إدارتها. لكنْ لأنّ الأمر وصل إلى مرحلةٍ خطيرةٍ تهدِّد السلم الأهلي والعيش المشترك، فإنّه تدخّل للتصحيح واستعادة المسار الوطني

والمعروف أنّ السلطات في المرفأ تتوزّع بين أربع جهات: الجمارك، وأمن الدولة، واستخبارات الجيش، والأمن العام. وقد ورّط القضاء اللبناني الذكي نفسه فمنع الباخرة من الإبحار، وأنزل الحمولة المتفجّرة عنها، فوضع نفسه في موضع الاتّهام. والقاضي العدليّ العظيم، الذي ترك القاضيَيْن المتّهميْن يُعرَضان على محكمةٍ خاصّةٍ، أبى أن يسمح بها للسياسيين. ولا ينقص في هذا المسار إلا أن يعمد القاضي، مُضيّاً مع هذا المسار العجيب الغريب، إلى إطلاق سراح مدير الجمارك رعايةً لحزبيّته (العونية) المعروفة، فلا يبقى في الميدان غير حديدان.

نادراً ما يتدخّل المجلس الشرعي الأعلى في عملٍ من أعمال الدولة أو إدارتها. لكنْ لأنّ الأمر وصل إلى مرحلةٍ خطيرةٍ تهدِّد السلم الأهلي والعيش المشترك، فإنّه تدخّل للتصحيح واستعادة المسار الوطني. فانحياز القاضي أو القضاء بلغ درجةً خطيرةً، والهدف هو استتباع القضاء بعد تعطيل المجلس الدستوري ومجلس القضاء الأعلى. تماماً مثلما تدخّل البطريرك المارونيّ عندما رأى أنّ العهد وصهره لا يريدان تشكيل حكومة، ويكتفيان بمجلس الحرب الأعلى (المجلس الأعلى للدفاع). فكلّ الجهات السياسية يمكن السكوت عليها لأنّ الخصوم لن يسكت بعضهم عن البعض الآخر. أمّا القضاء فلا يمكن السكوت على انحيازيّاته المدمِّرة، وهو المفروض أن يكون الأبعد عنها.


واحتراماً لوجهة نظر المجلس الشرعي وللعقل ومنطق العدالة، وإذا أراد أهل الضحايا أن يعرفوا الحقيقة، لا بدّ من الذهاب إلى التحقيق الدولي. ولنترك للقاضي البيطار، بعد تنحيته عن الملفّ، نعمة الرضا من جانب فريق القصر، والاحتفالات الشعبوية.

وطن تفرّق أهله فتقسّما                       ورجاله يتشاجرون على السما

إقرأ أيضاً: أسقطوا الفتنة.. أنصتوا لدار الفتوى وسيّدها

 

 

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…