جيلٌ على كل شيء قدير

مدة القراءة 3 د

 

عماد الدين رائف

أواخر تشرين الأول الماضي، ومع اشتداد عود الثورة في وجه التخوينات بالجملة، وصمود الشابات والشبان في الشارع، كان كثيرون من أبناء جيلي يدورون حول أنفسهم في حلقات، فما هي وظيفة ممثلي جيل الخيبات المتتالية في زمن الأمل الذي تفجر فجأة، وما كانوا يتوقعونه؟

كنت أزور الساحات التي تحملني إليها الفانات، وسيلة النقل الأفضل والأكثر التصاقًا بالمسحوقين، من طرابلس إلى بيروت فصيدا وصور، ومن بعلبك إلى عاليه والنبطية. أقف في الصفوف الخلفية دائمًا، أترك الساحة للبنات والأبناء كي تعلوا صرخاتهم وأغنياتهم، كي تملأ فراغ زمن طويل لأجيال سبقتهم امتهنت المتاجرة بالقضايا.

لا يمكنني أن أدعي ولو للحظة أنني كنت أتكهن بما حدث، ولست لأحمل مكرفونا لأقول إنني كنت في الساحات منذ البداية أو إن لي أي تأثير بما يحدث أمام ناظري. لقد فعل ذلك بعض من يحبون الظهور من أبناء جيلي، أو يخافون أن يقال إنهم لم يحضروا في المشهد.

ليخوضوا تجربتهم بكل هوامشها ولنكن جدار دفاعهم الأخير

تذكرت وأنا أشاهدهم يتنطحون لملء الشاشة كيف كانت حالهم عام 2011، تحت وطأة المفاجأة من تفجر الأمل في تونس ومصر وسوريا والبحرين.. قبل أن تطغى الأجندات لتخنق الأمل في مواضع ومواضع. وكان أن أصدرت مجلة “فكرية” سميكة عدداً غليظاً نحو ثلثي صفحاته لمتفاجئين بالثورات وهم يعطون النصائح بعدما ابتعلوا الصدمة! متفاجئ خلف متفاجئ. ومن بين المتفاجئين الأوائل من تفاجأ في تشرين، ثم ادعى أنه يمثل الثورة.

في الموجة الأولى من ثورة 17 تشرين المباركة ببركة الجماهير، سألتني صديقة لي عما يمكننا فعله. سؤال عميق على بساطته. لكن الجواب الوحيد الذي خطر ببالي هو أننا، نحن الذين قمنا بما استطعنا إليه سبيلاً عامي 2011 و2015 وفي جميع الساحات المطلبية، علينا أن نقف خلف الشابات والشبان، أن نقف بثبات خلفهم، وليس لأننا في الخلف فحسب، بل لأنه حين تشتد وطأة القمع عليهم وعندما يتخذون خطوة أو خطوتين إلى الخلف سيصطدمون بنا، ولن نتحرك.

وسيكون من دواعي فخرنا ألا نتحرك حتى لو أدى ذلك إلى مقتلنا دفاعًا عن صوتهم وفعلهم، عن تخطيطهم وارتجالهم، عن صوابهم وخطأهم، عقلانيتهم وجنونهم.. فليخوضوا تجربتهم بكل هوامشها ولنكن جدار دفاعهم الأخير. هذا عنّا.

أما هم، بناتنا وأبناؤنا الذين ملأوا الساحات، واستطاعوا أن يفعلوا ما كنا نراه مستحيلاً، أن يُحدثوا شقاً في جدار الطائفية والغنائمية والمناطقية البغيض، ليتسرب إلينا شعاع من نور الوطن، فعليهم أن يكونوا في المقدمة دائماً، أن يهدموا جدارا بناه المفسدون المتغطرسون ومجرمو الحروب وأمراؤها، المرتهنون للخارج كل خارج… وأن يحلموا بوطن يحترم الإنسان. إنّه جيل على كل شيء قدير.

 

مواضيع ذات صلة

رفيق الحريري والمسيحيون… الفهم المتأخّر

  لكم هي شديدة الحاجة اليوم إلى رفيق الحريري لجمع أطراف الوطن! كان الرئيس الشهيد رابطاً بين لبنان ولبنان رُغم أنّ علاقته ما كانت سهلة…

طرابلس: كلن يعني كلن.. إلاّ “رفيق”

  تمتلك طرابلس ذاكرة تنبض بالحبّ والوفاء والحنين وبالثناء والتقدير لرفيق الحريري، قلّما امتلكتها مدينة أخرى، وعبـّرت عنها في مختلف المحطات، قبل الاستشهاد وبعده، بدون…

الثنائي في النبطية وقوّة الثورة

  فاطمة ترحيني تشهد محافظة النبطية مواجهة جديدة، أشبه بصراع دائم، بعدما استطاع جزء من أهل المدينة وقراها الاعتراض على “حزب الله” و”حركة أمل” وكل…

في وداع الحريرية؟

  هل سيستمر رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في السياسة أم لا؟ يصعب افتراض أن أحداً يملك إجابةً عن هذا السؤال، حتى عند الحريري نفسه،…